
رئيس فرنسا ماكرون يُطبق عمليا في شكل خطب سياسية أو قرارت وقوانين ما جاء في تقرير المؤرخ المتميّز بن جامان ستورا المتعلق بالذاكرة الفرنسية والذاكرة الجزائرية، طبعا التقرير كما تحدثت عنه سابقا ثريٌّ بحمولة معرفية وتجربة محنكة في الإطلاع على الأرشيف والوثائق والمقابلات والمصادر.
وساهم فيه متعاونون من باحثين اشتغلوا على التاريخ الجزائري، إنها (المعرفة العلمية) التي تصبح تدبيرا سياسياً بغض النظر عن التوظيف السياسي والإيديولوجي وحضور استراتيجية الهيمنة والعلاقات.
وما يلفت الإنتباه هو إعادة قراءة (الحدث التاريخي) في كليته واستثماره رمزياً في تحويله إلى أيام وطنية رسمية وشعبية وتعبئة الوجدان والروح والمتخيل نحو بداية جديدة التي قد تكون (حدثا مؤسِّساً) جديداً.
فقد اختار التقرير ثلاثة تواريخ-أيام للإحتفال والتأسيس لما يسعى إليه من (ذاكرة مشتركة) تُنهي الجرح والألم ويكون النسيان: نسيان الصفح وطلب العفو والاعتذار والتعويض التي قد تكون عوامل تَحُول دون (ذاكرة بدون ألم).
إختار التقرير 19 مارس كيوم يَحضُر فيه قدامى المحاربين الفرنسيين والذين اقتنعوا بوقف الإقتتال وأدّى إلى معاهدة إيفيان، فيكون هناك (وقف القتال) وهنا (عيد النصر) فالمعجمية يحاول التقرير تغييرها، فهل يستطيع ذلك؟
كما اختار 25 سبتمبر يوماً للحركى الجزائريين الذين اختاروا فرنسا وهاجر جلّهم مع الكولون وجيش الاحتلال، ويوم 17 أكتوبر يوم التضامن مع الذين سقطوا من الجزائريين المهاجرين ضحايا العنف في باريس وكانت مقبرتهم نهر الساين.
المغزى من هذا حتى ولو اختلفنا مع مضامين التقرير أن المعرفة التاريخية تنال سلطتها من خلال قوّتين (قوة الإرادة السياسية وقوّة الحدث التاريخي) الأولى قرارت مؤسسة للمستقبل والثاني حدث مكثّف يُعانق الأزمنة السابقة والحاضرة والمستقبلية.
وهكذا نقرأ أيضا الأمر الملكي في المملكة العربية السعودية الذي جعل من 22 فبراير /شباط يوم التأسيس، تأسيس المملكة، فالعمر هنا حقبة طويلة ثلاثة قرون عرفت فيها المملكة ثلاث مراحل تاريخية للدولة.
العودة إلى الحدث التأسيسي 22 فبراير 1727 ، معناه الحاجة الى قيمتين رمزيتين (الوحدة والأمن) وحدة المملكة التي اتخذت الدرعية عاصمة لها وتحقيق الأمن بين القبائل والمناطق، والأمر الملكي هو تطبيق لرؤية 2030 التي في الأساس رؤية معرفية استراتيجية.
ترى هل المُؤرخ والمثقف يَكسب سلطته من معرفته العلمية فقط أم من كونها (المعرفة العلمية) تصبح قرارت سياسية وتنال تأييداً شعبياً؟.