الجزء الثاني
مثلما ذكرنا في الحلقة الأولى من حكاية الحاجة الزهرة الألمانية فبعد ارتباطها بالمجاهد عمي ” أحمد ضحوة ” أصبحا الإثنان يخدمان الثورة الجزائرية المباركة من خلال جمع الأموال و الأسلحة لفائدة المجهود الحربي لجيش التحرير الجزائري , و كان للحاجة الزهرة في شبابها دور محوري في هذه العملية بحكم مظهرها الأوروبي حيث كانت لا تثير الشكوك لدى قوات مخافر البوليس الفرنسي.
لكن اتخذت قصة الحاجة الزهرة منحى آخر حيث بدأت الإبتلاءات تنزل على هذه العائلة الصغيرة بعد القبض على عمي أحمد في الأراضي الفرنسية بتهمة مساعدة الثوار الجزائريين. حيث تم اعتقاله بتاريخ 21 ديسمبر 1959 بفرنسا و لم تبق عليه قوات الشرطة في الأراضي الفرنسية و تم تحويله إلى ذراع بن خدة، أين لبث في سجن قصر الطير.
و لم تتخل الشابة الألمانية الأنيقة عن حبّها الطاهر و لم تبق مكتوفة الأيدي , بل رافقت زوجها في كل المصاعب و المتاعب بدءا بالتنقل نحو وطنه الأم الجزائر عبر رحلة جوية , ووجدت نفسها في أرض هي غريبة عنها لكن تربطها معها رابطة النسب مع جزائري حّر و التي اعتنقت مذهبه المتعلق بالتحرر ضد الإستعمار الغاشم.
و بعد رحلة من فرنسا نحو الجزائر وجدت نفسها أمام مصير محتوم اختارته لنفسها حيث كانت بداية رحلتها من مسقط رأس زوجها بمنطقة عين الناقة (بسكرة) ، و كم كانت فرحتها مزدوجة عندما علمت من أفراد عائلة زوجها أنه تمكن من الفرار من غياهب السجن الإستعماري و توجه نحو مقر الولاية التاريخية الأولى بنواحي كيمل.
و رغم حالة الإستعطاف التي لقيتها المرأة الألمانية من قبل أهل بيت زوجها و كذا سكان منطقته الذين اعتبروا تضحياتها توزن بالذهب , و رغم الإصرار على ضيافتها حتى انتهاء الثورة التحريرية المباركة إلا أن الشابة الزهرة أصّرت اللحاق بزوجها في الجبال و هو ما اعتبرته عائلة “ضحوة” ضربا من ضروب الخيال , لكن حب الزهرة لأحمد فاق حب روميو لجولييت أو إبن زيدون لولّادة بنت المستكفي و قرّرت اللحاق به في الجبال.
و مع إصرار الزهرة اللامتناهي لتكملة المسيرة التي بدأتها مع زوجها خدمة للثورة التحريرية المباركة , تلقت الضوء الأخضر من القيادة العليا للسير نحو قاعدة الكفاح المسّلح في الجبال و الأحراش , و تقول عن هذه التجربة صاحبة الشأن العالي “كل شيئ هان في سبيل لقاء زوجي مجّددا فلا التضاريس الوعرة في الجبال التي أنهكت قواي و لا الجروح التي كادت تودي بقدماي أثنتني على مواصلة حياتي الأبدية مع زوج اخترته شريكا لي في دنيا البقاء”.