إن الوثائق الرسمية الفرنسية والعثمانية بالدرجة الأولى ، تضاف إليها تقارير الزائرين الآخرين. تعطينا صورة مختلفة للجزائر عما يقال عنها اليوم. إن ما سننقله لكم هو جزء يسير جدا من شهادات مؤرخين غربيين ، منهم من غلبته النزعة الموضوعية في كتاباته ، ومنهم من تسربت منه هذه الحقائق كأنها فلتات كتابية ، ولا يتسع المقام لنقلها جميعا ولكن سنسرد أمثلة قليلة ولكنها كفيلة بتبيان ما نحن بصدد الحديث عنه
مستوى ثقافي رفيع
يقول المؤرخ الأمريكي وليام سبنسر وهو من أوثق المصادر التي تتحدث عن تلك الفترة يقول : ” فكل من شهادات المسيحيين والمسلمين تتفق على إعطاء الدولة الجزائرية علامات مرتفعة على ما عرفته من الإنظباط ، والإستقرار ، واحترام القانون ، والإرتباط الإجتماعي ، والمستوى الثقافي الذي بلغته”.
نظام إجتماعي مستقر
يقول المؤرخ الفرنسي إيغروطو: “ولم تكن الجزائر إذ ذاك (قبل 1830) تعطي تلك الصورة التي يحرص البعض على ذكرها عن ”فوضى عارمة مطلقة” فيها، وهو مجرد زعم”.
مكانة دولية مرموقة
يقول المؤرخ الفرنسي أوغستين برنارد وهو أستاذ التاريخ الإستعماري في إفريقيا الشمالية ، يدرس في جامعة السوربون: “وكانت الدول الأوروبية ، طيلة ثلاثة قرون متوالية ، تعتبر نفسها سعيدة عندما تعقد السلم مع داي الجزائر ، وتحصل منه ، حتى بتضحيات في المال والكرامة ، على أمن نسبي لبحريتها ، وتبتلع من أجل ذلك سائر الإهانات”.
دار عز لكل مقبل إليها
وحتى السفراء والمبعوثين الذين يرسلون إلى دايات الجزائر من رؤساء دولهم كانوا يستشعرون مكانة هذه الوظيفة آنذاك ، يقول المؤرخ الأمريكي بارنبي: ” إن الأمريكيين ، عندما يرسلون مبعوثا أو سفيرا إلى الجزائر ، يهنئونه ، ويعلقون فيما بينهم على تلك المهمة بقولهم: “إنها لمهمة سامية حقا ، إنها لسفارة كبرى ، إنه لمنصب رئيسي a senior appointment “، كما يقال اليوم تماما.
استماتة في الدفاع عن الأرض
ويضيف سبنسر إلى هذه العناصر كلها، التي ذكرها هو وغيره ، عناصر أخرى جديدة ومعززة لما سبق ذكره ، فيقول مثلا عن عمق الإيمان وقوة روح الفداء ، مما جعل من الجزائر ميدان الجهاد ، ومدرسة الإستشهاد ، ممثلا لذلك بالداي محمد عثمان ، يقول سبنسر : ” توفي الداي بابا محمد عن واحد وثمانين عاما ، بعد حكم هادىء استمر أربعا وعشرين سنة ، وكان في مراسلاته يشير بانتظام إلى “مدينة الجزائر ، دار الجهاد المستمر ضد الكفار”.
سياسة خارجية قوية
يقول سبنسر: ” وقد أظهرت الوقائع المؤكدة أن مختلف الحملات الأوروبية و التي شنت على الجزائر قد أثبتت عجز السياسة الخارجية الأوروبية حينما جوبهت بأمة قوية في الداخل ، متحدة ، مصممة ، وإن فشل حملة شارلكان التخريبيية سنة 1541 لمثل لذلك الفشل الأوروبي”.
حماية حرية التجارة الدولية
يقول المؤرخ الفرنسي دو غرامون: “فلقد كانت الضرائب السنوية المهينة التي كانت تدفعها ثلاثة أرباع أوروبا ، بل وحتى أمريكا ، في الحقيقة والواقع مجرد مساهمة منها في التكاليف التي كانت الجزائر تتجشمها لضمان حرية الملاحة في البحار، بطلب من تلك الدول أنفسها ، وبدافع من روح المسؤولية الدولية للجزائر على تلك البحار ، وخاصة منها البحر الأبيض المتوسط ، بحرها ، عليها حراسته ، والسهر على سلامة الملاحة فيه ، لأنها منه هوجمت سنة 1505 ، وظلت تهاجم” .
ويقول بلانطي: “إنه لا ينبغي اعتبار تلك الضرائب عبئا مفروضا ، بل كانت ثمن حرية البحر الأبيض المتوسط ، والعامل الرئيسي على أرباح الملاحة فيه”.
فحرية الملاحة في البحار كانت تقتضي وجود كيان قوي يحميها من ضربات القراصنة الأوروبيين الذين يرتعون في رودس ومالطا وغيرها من الأوكار التي تنطلق منها حملاتهم
ولولا وجود حام قوي يتمثل في الجزائر وأسطولها لكانت خطوط الملاحة والتجارة في البحر الأبيض المتوسط مستحيلة ، كما كان عليه الحال آنذاك في المحيط الأطلسي أين كان الجو خالصا للقراصنة يجوبونه بحرية ، وينهبون كل سفينة تمر عبره.
منقول من صفحة المؤرخ الحر مراد كحلوش