ما قل ودل

كانت مهدا للحضارة و التمّدن…وهران جوهرة البحر الأبيض المتوسط

المدينة الجديدة قديما و الملعب الأولمبي تحفة وهران هذا العام

شارك المقال

الجزء الأخير

مواصلة لسرد تاريخ وهران من أجل التعريف بالمدينة التي أضحت على عتبة استقبال ألعاب البحر الأبيض المتوسط نستعرض مع قرائنا الأوفياء مختلف الحقب التي مرت على المدينة بعد العهد المرابطي و المريني و الموحدي .

و نعود بالأذهان إلى ذكرى الفارين من محاكم التفتيش الإسبانية الجائرة أين بعد في عام 1609م صدر مرسوم بطرد الموريسكيين من إسبانيا، واستقروا في وهران و أحضروا معهم حضارتهم التي عمروا بها شبه الجزيرة الأيبيرية لمدة ثمانية قرون أو يزيد .

وفي عام 1708م عرفت وهران  ضمّ الباي مصطفى بن يوسف الباهية إلى إيالة ومملكة الجزائر، لتكون تحت حكم التواجد  العثماني عليها الذي انقسم انقسم إلى فترتين هما: الفترة الأولى التي بدأت من عام 1708م إلى عام 1732م، والفترة الثانية بدأت من عام 1792م إلى عام 1830م.

في القرن التاسع عشر للميلاد، وتحديداً في عام 1831م خضعت وهران للاحتلال الفرنسيّ بعدما دخلها الجنرال شارل-ماري دينيس دامريمون الذي أجرى لها أول إحصاء سكاني في عام 1832م حيث بلغ عدد سكانها 3.856 شخصاً.

وهدم البيوت التي تخفي الجهة الشرقية بين حصن القديس فيليب وشاطوناف، والبيوت المشيدة على تل رأس العين , و شهد ال 17 من شهر أبريل لعام 1832م معارك متفرقة بين الشيخ محي الدين، وإبنه الأمير عبد القادر الجزائري والحامية الفرنسية في وهران بقيادة الجنرال بوير.

ما بين عام 1841م وعام 1847م أعاد الجنرال لاموريسيار التنظيم من خلال إنشاء المدينة الجديدة، وأحياء قرية الزنوج، كما شرّد السكان الأصليين، وخضعت المدينة لسياسة الإستعمار الإستيطاني، وبذلك شهدت المدينة موجة من الهجرة الأوروبية من إسبانيا، وإيطاليا، وسويسرا، ومالطا، وألمانيا، وعانت وهران من مرض الكوليرا في عام 1849 بسبب حركات النزوح الفوضوية .

في عام 1890م نمت المدينة نمواً سكانياً متواصلاً، مما أدى إلى إنشاء ضواحٍ جديدة كضاحية أكمول، وسان ميشال، وسان بيار، وقمبيطة، وديلمونت، وسانت أوجان.

أثرت الحروب العالمية على مدينة وهران بعد الحرب العالمية الأولى و الثانية ، وبعد مجازر 8 ماي من عام 1945م، كفلت بعض العائلات في المدينة اليتامى الذين خلفتهم المجازر في المدن الأخرى لينشأ نسيج إجتماعي جديد في المدينة .

و كانت مدينة وهران قبلة للعمليات الفدائية الحديثة الأولى في تاريخ الجزائر حيث أنه في عام 1949م وقعت عملية سطو على مكتب بريد وهران على يد مسؤولي حزب الشعب الجزائري حسين آيت أحمد وأحمد بن بلة، وكانت نتيجة العملية أخذ مبلغ مالي قدره 3,070,000 فرنك فرنسي الذي كان مصدراً ممولاً للثورة التي أعلنتها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية في عام 1954م.

دون نسيان أنه خلال الحرب العالمية الثانية شهدت المدينة العديد من الأحداث المهمة كمعركة المرسى الكبير التي وقعت بين الأسطول البريطاني والأسطول الفرنسي في عام 1940م، وكان من نتائجها فقدان ثلاث سفن حربية، ووفاة واختفاء 1297 بحاراً، وجرح 351 شخصاً مع  استسلام المدينة بعد حدوث عملية الشعلة في عام 1942م.

و عرفت شواطئها الشرقية إنزال الأمريكيين العديد من الفرق العسكرية في مينائها حتى تكون نقطة انطلاق للحملة الإيطالية و تمهيدا لمعركة مونتي كاسينو الكبرى التي هدمت إمبراطورية موسوليني .

و بعد سنوات حرب مريرة راح ضحيتها عموم نساء و رجال وهران جراء العمليات الفدائية و كذلك جراء انتقام منظة لواس شر انتقام من ساكنة وهران و بعد أن طفح الكيل على حكومة ديغول اضطرت فرنسا إعلان الإستقلال صاغرة .

و كانت وهران أيضا خلال تاريخها شاهدة على حركة التصحيح الثوري كما أريد تسميتها في عام 1965م بعد احتضان المدينة لقاء القرن الوّدي بين الجزائر والبرازيل.

ور غم أن وهران التي عانت من ويلات الاستعمار أكثر من أي ولاية أخرى بحساب المدة الزمنية الإسبانية التي ضاهت ثلاث قرون ، فقدت الكثير من بهائها ووقارها في الوقت الراهن.

وتحولت البهية في الوقت الراهن إلى مجرد تجمع سكني ضخم يفتقر إلى النظام ولروح التمدن، لا هي بريف ولا بمدينة، تقع في منطقة وسطى تجعل العيش بها مشقة ترهق الأجساد والنفوس وتجعل الفرد في حالة صراع مع كل شيء .

تبدو مكتظة خانقة و صاخبة، وفي نفس الوقت هي راكدة وبلا حياة، شطرها القديم يبدو مهملا والجديد يفتقد إلى الروح والذوق , تبدو بلا نسق.. حالة من الفوضى الممتدة على طول فترات الصباح والمساء.

وهران نزفت كثيرا بسبب سوء التسيير ، وما طرأ عليها من تغيير كان مشوها لروحها وخصوصيتها، فحتى وإن ظلت تلك البنايات الجميلة قائمة إلا أنها تبقى محاطة بمعالم من التدهور لتزيدها تأثيرات الورشات تشوها.

ليرتسم بذلك مشهد متناقض يخترق فيه الجمال الطبيعي لوهران تلك الحواجز التي تحول دون إكتمال الصورة التي تستحقها المدينة الشامخة.

وتختلف آراء المختصين في أسباب التراجع منهم من يتحدث عن مخطط متعمد فيما يحّمل آخرون المسؤولية للقادمين من الأرياف ،بينما يرى آخرون أن المسؤولية مشتركة مع إشتراك البعض في أن وهران تبقى مدينة مؤثرة ولها وزنها.

 

بعدما ضربت بماضيها في عمق التاريخ…وهران مرادفة لمفهوم العشوائية في الحاضر

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram