أ.د.عاصم الشهابي مختص في علم الميكروبات جامعة عمان -الأردن-
يحاول العلماء حاليا الإجابة على السؤال التالي: هل يمكن للميكروبات التي تعيش طبيعيا في أمعائنا أن تؤثر على دماغنا ، بما في ذلك إذا كانت تسّبب بعض أمراض الدماغ ؟ وكيف يحدث ذلك؟ .
الجواب، من المحتمل جدا أن يكون صحيحا. منذ أكثر من قرن تم اكتشاف أن هناك بلايين من خلايا البكتيريا تبدأ بالعيش منذ الولادة في أمعائنا وفمنا وأنفنا وعلى بشرتنا.
ومن المعروف جيدا، بأن أنواعًا قليلة جدًا من ميكروبات الأمعاء وخاصة منها البكتيريا يمكن أن تسبب لنا إسهالات وأمراضًا خفيفة أو قاتلة إذا وصلت إلى الأمعاء بكميات كافية، ومنها بكتيريا الكوليرا والسلمونيلا والشيغيلا وغيرها.
ومع ذلك ،حتى سنوات قليلة ، افترض معظم الأطباء والعلماء أن الغالبية العظمى من البكتيريا التي تعيش بشكل طبيعي في أمعائنا وتستفيد من الدفئ وبقايا ما نأكل من غذاء ، تعتبر ضرورية جدا لصحتنا وبدونها لا نستطيع العيش.
وحديثا جدا اكتشف العلماء بأن بكتيريا الأمعاء قادرة أيضا على إنتاج مواد تؤثر على خلايا أجسامنا وتصرفاتنا لأن بعض هذه المواد متشابهة أو متطابقة مع المواد التي تصنعها خلايا الجسم.
وسابقا أثبتت الأبحاث بأن بكتيريا الأمعاء تعمل على تحسين صحتنا، فتعمل على تحفيز خلايا الجهاز المناعي عبر جدار الأمعاء ،ويمكن للخلايا المناعية بعد ذلك إرسال إشارات عبر الأعصاب إلى الدماغ.
ولكن، كيف يمكن للبكتيريا الموجودة في الأمعاء أن تؤثر على الدماغ؟ , فالمواد التي تصنعها البكتيريا في الأمعاء يمكن أن تدخل الدم ، تمامًا مثل العناصر الغذائية الموجودة في طعامنا وتنتقل من الأمعاء إلى الدم، وترتبط في أعصاب معينة بالدماغ والأمعاء .
و اكتشفت أبحاث حديثة أن بكتيريا الأمعاء قد تؤثر على عواطفنا وقدراتنا المعرفية , وعلى سبيل المثال ، تصنع بعض البكتيريا مادة اوكسايتوسين Oxytocin، وهو هرمون تنتجه أجسامنا ويشجع على زيادة السلوك الإجتماعي وسرعة الولادة ، ويعتقد أيضا بأن هذه البكتيريا تصنع مواد تسبب أعراض الإكتئاب والقلق.
أخيرًا ، ثبت أيضًا أن بكتيريا الأمعاء قد تؤثر على تعرضنا لبعض أمراض الدماغ ، بما في ذلك مرض الزهايمر ومرض باركنسون والتوحد. على سبيل المثال ، مادة تسمى سينوكلينSynclein ، توجد في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض باركنسون تصنعها بكتيريا الأمعاء , ويمكن أن تنتقل عبر الأعصاب من الأمعاء إلى الدماغ .
ويبقى السؤال الصعب ، كيف نستطيع أن نتحكم بنوعية الميكروبات الطبعية المفيدة في أمعائنا ؟ .