لقد ضرب لاعبو منتخب الأفالان خلال الحقبة الإستعمارية الأمثال في حب الوطن و تفضيل العرض و الدين على المال و الشهرة , و مثلما أشرنا في عددنا السابق لما قام به الملاكم المشهور شريف حامية الذي فضّل السقوط بالضربة القاضية على أن يبيع وطنه مقابل أن ترتفع راية فرنسا , سيكون موضوعنا اليوم مشابه لبطل آخر برز في الرياضة الأكثر شعبية في العالم و كتب اسمه بمداد الذهب في أرشيفها .
بطلنا اليوم و بدون مقدمات هو المرحوم قدور بخلوفي , الذي تعلم أبجديات كرة القدم و رضع حب الوطن في مدينة وهران , حيث صال و جال في شوارعها مداعبا الكرة صغيرا و أبان عن موهبة جعلت منه يلعب مع الأكابر و هو في فئة الأشبال , الأمر الذي جعل منه مطمعا لخيرة الأندية الكروية العالمية .
و بعد تنافس خيرة الأندية الأوروبية على خدماته فازت إمارة موناكو بالصفقة , و جعل منها بخلوفي فريقا متميزا حيث كان لاعبا لامعا و يحدث الفارق الكروي عبر كل لمسة فنية يقوم بها حتى أن لقطاته الفنية و صولاته و جولاته في الميادين جعلت أميرة موناكو حينها تلّقبه بأمير هذه الإمارة الفرنسية كتشريف وهو اللقب الذي لازمه حتى نهاية مشواره الكروي .
ما قام به عمي قدور مثلما سمعته باعتباري صحفي جريدة “المقال” من الراوي شخصيا أثناء إحدى الحوارات التي أجريتها له في السنوات الماضية , يدخل في خانة اللامعقول لدى البعض اليوم حين نرى أن معظم الشباب أصبحوا يغامرون بأنفسهم من أجل الحياة على الضّفة الأخرى , فالمعني كان يعيش في موناكو معيشة الأمراء فقد أمضى لمدة عام قابل للتجديد بمبلغ 50 مليون فرنك فرنسي قديم .
لكن يقول عمي قدور أن نداء الوطن حينها لم يكن فيه نقاش أو مجرد التفكير , حيث يسرد لنا مستذكرا الواقعة التاريخية التي جعلته يطّلق عالم المجد و الشهرة و يختار حب الوطن فقال لنا متنهدا و كله فخر و الدموع تغرورق من عينيه ” لقد كان حينها يوما خريفيا و على غير العادة طلب مني رشيد مخلوفي أن يفشي لي سرا و قال لي بالحرف الواحد علي أن أجيب بنعم أو لا و في حالة إجابتي بالنفي علي أن أنسى الموضوع و لا أحدث به أي شخص آخر ” .
و يضيف عمي قدور ” قال لي أن جبهة التحرير الوطني اتصلت به و تريد أن يلعب خيرة الجزائريين في منتخب الأفالان لكي يكون ممثلا للقضية الوطنية , و عندها لهبت نار الوطنية في داخلي و أجبت بنعم بدون أذنى تفكير ” .
و أردف أنه عندما أفشى السّر لزوجته وافقت هي الأخرى بلا نقاش يذكر ما دامت القضية هي وطنية بامتياز و إعلاء علم الجزائر هو النتيجة الحتمية لهذا الإختيار , عندها يقول أمير موناكو أنه ادّعى خلال أحد التدريبات الإصابة و عند عودته للبيت وجد الحقيبة موّّظبة من قبل زوجته و استقلا القطار نحو الحدود السويسرية سوّيا , لتكون نهاية الرحلة نحو تونس أين تقّمص عمي قدور ألوان النخبة الوطنية لأول مرة .
و خلال الحوار المطول الذي أجريناه معه عرّج أسطورة الكرة الجزائرية على المواجهات الودية التي أجراها منتخب الأفالان بمعية زملائه فيرود , عمارة , رويعي , مخلوفي و الإخوة سوخان و معوش و زوبة و كيف لعبوا ضد الإتحاد السوفياتي و يوغسلافيا و الصين و فيتنام و كم لاقى عدة رؤساء دول من عيار تيتو , كاسترو , جيفارا , شوان لاي و نيهرو هوشي مين و كل زعماء التحرر في العالم .
و حتى آخر أيام عمره أين قضى عمي قدور لم يبدّل حب الجزائر تبديلا و ظل وفيا لبلده الجزائر و كان لا يفّوت أي فرصة ليلتقي بمعية أصدقائه صنّاع ملحمة زمان , و تدّخل عدة مرات لإعلاء شأن الكرة الجزائرية تارة كمدرب حيث كان مشرفا على جمعية وهران و تارة كمصلح , أين كان يقترح الحلول للخروج من عدة أزمات مرّت بها الكرة الجزائرية .
فمن خلال هذا المقال نجّدد بدورنا الرحمات على عمي قدور بخلوفي الذي كان بحق من بين الذين أحبوا بإخلاص هذا الوطن و على كل من قضى دون أن يبّدل حب الجزائر تبديلا – المجد و الخلود لشهدائنا الابرار – .