الدكتورة نائلة الوعري
تبنّت بريطانيا فكرة توطين اليهود في فلسطين بعد أن برز عدد من الإنجليز المنادين بهذه الفكرة، ونشطوا لتحقيقها، وكان على رأسهم اللورد شافتزبري Lord Shaftesbury (1801- 1885م) الذي نادى بفكرة إنشاء مستوطنات يهودية في فلسطين، وقدّم مشروعاً أسماه “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
وطالب الحكومة البريطانية بتبني إعادة اليهود إلى فلسطين معتمداً في ذلك على “التدليل على صدق الكتاب المقدّس وصحة ما ورد فيه” حين شرع في إقناع بالمرستون Balmerston وزير الخارجية البريطاني بما ورد في الكتاب المقدّس.
ولما عجز عن إقناعه بالدعاوي والأفكار الدينية، لجأ إلى إضافة أفكار سياسية واقتصادية تتجاوب مع المصالح الاستعمارية البريطانية في فلسطين والمشرق العربي.
وقد كتب شافتزبري في يومياته 14ماي 1838م “أمس تناولت العشاء مع بالمرستون، ورحت بعد العشاء أحّدثه عن مأساة اليهود وعذابهم، وكان يستمع إليّ وعيناه مغمضتان يمسك بيده كأس براندي يرشف منه ما بين وقت وآخر. وعندما تركت الحديث عن المأساة اليهودية، ورحت أحدّثه عن المصالح والمزايا التجارية والمالية التي تنتظر بريطانيا في الشرق، لمعت عيناه وتبدّى اهتمامه، وترك كأس البراندي على المائدة بجانبه وراح يسمعني”.
اقتناع بالمرستون بأفكار شافتزبري قامت بريطانيا بافتتاح أول قنصلية لها في القدس في شهر أوت من عام 1838م، بعد أن رأت في أنّ اليهود يمكن أن يعتمد عليهم في فلسطين، خاصّة وأنّ فرنسا تمتعت منذ عام 1535م بحماية الكاثوليك، وروسيا منذ عام 1774م بحق حماية الأرثوذكس في الدولة العثمانية.
كما توجّه بالمرستون للسلطان العثماني محمود الثاني في محاولة لإقناعه السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، مبيّناً له مدى الاستفادة التي ستجنيها الدولة العثمانية من ثروات اليهود الضخمة التي سيجلبونها معهم إلى فلسطين، بالإضافة إلى ما سيشكلونه من سّد منيع في مواجهة أطماع محمد علي في أملاك الدولة العثمانية.
أمّا وزارة الخارجية البريطانية فقد أصدرت تعليماتها في 31 سبتمبر 1838م إلى القنصل البريطاني في القدس، يونغ Young، بمنح اليهود في فلسطين الحماية البريطانية.
في حين ذهب وزير الخارجية بالمرستون لعقد التحالفات بين القوى الاستعمارية الكبرى في أوروبا لتأييده في تحقيق أهم الأهداف التي وضعها، وهي فتح باب الهجرة إلى فلسطين أمام اليهود والسماح لهم بإقامة شبكة من المستعمرات الاستيطانية فيها، لتكون في المستقبل دولة واقية وحاجزاً يعزل مصر عن سوريا ويمنع لقاءهما.
ومن الشخصيات البريطانية التي تعاطفت مع الاستيطان في فلسطين لورنس أوليفانت Laurence Oliphant (1829- 1888م) عضو البرلمان البريطاني، الذي أصدر كتاباً باللغة الإنجليزية بعنوان “أرض جلعاد” The Land of Gilead ووضع فيه تصوّره لتوطين اليهود في شرقي الأردن وفلسطين وتشجيع الاستيطان فيها.
كما هّب القس ويليام هشلرWilliam Hechler (1845- 1931م) الذي كان سفيراً لبريطانيا في فينّا لمساعدة يهود أوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين، وقد عمل على جمع تبرّعات لمساعدة يهود أوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين.
وقدّم خدمات كبيرة للحركة الصهيونية من خلال الصورة التي رسمها لإسرائيل الكبرى، حين أصدر كتيباً باللغة الإنجليزية بعنوان “إرجاع اليهود إلى فلسطين حسبما ورد في أسفار الأنبياء”.The Restoration of the Jews to Palestine according to Prophets.