صدر لنجل الشهيد محمد رمضان البوطي الدكتور محمد توفيق البوطي كتاباً اعتبرته دار النشر “دار الفكر” وثيقة تاريخية لها أهميتها، فهو سيرة ذاتية عن والده سمّاه: “والدي كما عَرفته”، بملاحق هي شهادات حيّة عن لحظة التفجير الإرهابي في المسجد الذي يقدم فيه الشهيد البوطي -رحمه الله – دروسه المعتادة.
كان استشهاده في مارس 2013 في محفل علمي وفي بيت من بيوت الله دلالة على خطاب التّكفير حين يكون خطاباً تفجيرياً فيه سَفك الدّماء معبرا عن الكراهية والانتقام والحقد، لقد ظلّ شامخاً في الجهر بالحق وبالإخلاص لمواقفه والدعوة إلى السلم والأمان.
وكان من الوفاء أن يكتب عنه ابنه الذي رافقه وعاش معه ردحاً من الزمان ولم يفقد والده في هذه المحنة فقط بل ابنه أيضاً وأحباب والده ومريديه، في مسار حياة الشهيد يقف الكاتب عن نشأته الأسرية والعلمية والصوفية.
فقد كان والد الشهيد البوطي نقشبندياً قادرياً وانتقلت الأسرة من قرية كردية على حدود سوريا تركيا والعراق إلى الشام وكان عمر البوطي وقتذاك أربع سنوات، تولاه والده بالرعاية العلمية والروحية وأتقن التلاوة على امرأة، وكان العلاقة الوجدانية الأولى مع الرّسول عليه السلام من خلال اطلاعه صغيراً على كتاب “ذخيرة اللبيب في سيرة الحبيب”.
وهذا الارتباط جعله يُدرّس السّيرة النبوية فكتب “فقه السيرة” مثل ما كتب “كبرى اليقينيات” في العقيدة”، ومما أورده صاحب كتاب طعن والدي” قصة حواره مع الفيلسوف الماركسي المعروف طيب تيزيني، وأن الرئيس حافظ الأسد وفي مشاهدته لندوة فلسفية متلفزة فيه هجوم على الدّين وزمنهم أحمد برقاوي، ولاحظ غياب رجال الدين عن مناقشتهم، فطلب بدعوة شيوخ الدّين لتكون المناقشة ثرية في قضايا العقائد والوجود ومسائل الأخلاق والقيم والتشريع.
وقد كان البوطي محاوراً هادئاً، كما التقى بالألباني واختلف معه، وانتقد بعض مراجع الإخوان المسلمين مثل مصطفى السباعي وقد أثار حفيظة الإخوان بكتابه ” باطن الإثم” كما رد على “اللامذهبيين” بعنوان مؤلف: “اللامذهبية أخطر بدعة تهدّد الشّريعة الإسلاميّة”.
بسبب العلاقة الأولى التي كانت ذات دواعي إعلامية وعلمية كانت العلاقة مع حافظ الأسد، وبعدها كلفه الرئيس بإلقاء أحاديث تلفزيونية برنامج: “دراسات قرآنية” تحوّل إلى كتاب :”منهج الحضارة الإنسانية في القرآن”، تتحدث السيرة الذاتية عن جهود الشيخ البوطي في إطلاق المساجين السياسيين من سجون سوريا.
كما تعرض ابنه إلى تفاصيل عائلية عن زواجه وطاعته لوالده واستشارته وطلب الإذن منه حتى وهو أستاذ جامعي، هكذا يروي لنا الشيخ توفيق البوطي حياة والده التي تميزت بالعطاء العلمي ونشر قيم المحبة والتسامح وعلوم التزكية وشجاعته في قول الحقّ وقد دفع ثمن ذلك باستشهاده على كرسي العلم بتفجير الجهال لبيت الله، وكان يدعو في آخر حياته: “اللهم إن حانت ساعة وفاتي فكَرِّه إليَّ الدنيا وما فيها، وحبِّب إليَّ لقاءك”.