تصرف الجزائر الصادر عن وزارة الثقافة القاضي بتأجيل كامل المهرجانات الموسيقية و الفنية إلى وقت لاحق بالنظر إلى ما يعانيه أهلنا في غزة جراء الحرب الجائرة التي يتفنن من خلالها العدو الصهيوني في الدوس على جثت الأبرياء من أطفال و نساء و عجائز و شيوخ, يعتبر تصرفا صائبا زكّاه كل الجزائريون, و لا يصدر مثل هكذا تصرف سوى من أمة عاشت نفس المصير مع عدو لا يقل منه خّسة و ذناءة حين حارب الجزائريون معظم الفترات الحالكة الاستعمار الفرنسي بصدور عارية.
فمن خلال القرار النبيل الذي تصّدر التريندات العالمية, أثبت الجزائريون مرة أخرى أنهم لن يهدأ لهم بال و لا يأكلون و لا ينعمون, حتى يتم تحرير إخوانهم الفلسطينيين من براثن الانكسار و الاستعمار الهمجي الذي يطّبقه الصهاينة على أشخاص ذنبهم الوحيد هو أنهم رفضوا الذّل و الاستغلال و الهوان و لم يرضوا بالدوس على كرامتهم.
فرغم أن القضية الفلسطينية و بالأخص حصار غزة الجائر يتغاضى عنه البعض إعلاميا باستبداله عنوة بما يتعرض له الأوكرانيون على حّد تعبير الغرب بتطبيق سياسة العين المفتوحة على كييف و المغلوقة على غزة, إلا أن الجزائر أبت إلا أن تلبس مرة أخرى ثوب الأنفة و عزة النفس, من خلال ذودها على بؤساء غزة على لحن رواية “فيكتور هيغو” ,الذي لم يحّرك أسلافه ساكنا و الذين طالما صّدعوا رؤوس العالم بالمرافعات الوهمية حول – الحرية و العدالة و المساواة – التي بقيت مجرد شعارات تقال بالأفواه و لا تطبق على أرض الواقع.
نعم يا سادة فالجزائر لا تزال تتحرك بصوت الماضي السحيق, حين رفض أشراف العرب أن يأكلوا و يشربوا و ينامون ملأ جفونهم و نفر من قومهم يبيتون جوعى في العراء و بالضبط في شعاب أبي طالب.
و هذا ما نطق به بعض شيوخ و أعيان قريش في ذاك العهد وهم في ذروة كفرهم, عندما تحركت فيهم النخوة وهم يرون أهلا لهم وأقارب وأصدقاء من بسطاء مكة محاصرين معزولين ويمنع عنهم حتى الدواء والغذاء في شعاب مكة لأنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعوا الدين الذي جاء به وثبتوا على الحق في وجه الباطل ..
فإذا صدر هكذا تصرف من قبل من لم يكونوا على دين واحد, فكيف و أنه الآن يوّحدنا مع الفلسطينيين التاريخ الواحد النابع من عبق الفتوحات, و أيضا الذود على القدس تحت عباءة واحدة في عهد الناصر صلاح الدين الذي اتخذ جيش الجزائريين بقيادة أبي مدين الغوث أحد ألويته.
فنصران القضية بالأمس السحيق ينبغي أن يتكرر مهما تكّرر الظلم و الطغيان الذي تنجر عنه المواقف, فما قامت به الجزائر على الصعيد الدبلوماسي من خلال حماية الشعب الفلسطيني الأعزل, آثرت مقاسمته حاليا مع أبناء عمومتهم الفلسطينيين حتى في مشاركتهم أحزانهم إلى أن تنزاح الغمة و تتحول بقدرة قادر ثم بوقوف الأحرار و الأفاضل فلسطين إلى دولة قائمة بذاتها و حرة من النهر إلى البحر…و طبعا لا يزال للحديث يقية.