ما قل ودل

لحظات التحول والانتقال…عمار بلحسن الذي رحل وهو القائم المقيم

شارك المقال

كتبها : عمار يزلي

لم يكن الراحل عمار بلحسن يدرك يومآ أنه سيترجل في عز ربيع العمر.. وهو المتشبث بالحياة دوما. الباحث عن جملة فنية… عن بسمة هاربة.. كان حبه للأدب والفن والقصة والبحث والمقالة والتنسيط الاذاعي …والفكاهة والضحك ..وحبه لأطفاله وزوجته يفوق كل توق وطوق.

عندما طلب مني أن أكتب له مقدمة مجموعته القصصية…الأصوات..قلت له: ياعمار أخشى الا يتمكن عمار من الكتابة عن عمار. قال لي: انت بن اعمر وانا أعمر في الأصل. تستطيع ولا غيرك يستطيع فهم كتاباتي الا أنت.
فعلا كنت عاجزا أن ألم بدواخل عمار الإنسانية والادبية. صحيح انتي لم اعرفه من قبل كما عرفه اصدقاء أخرين قبلي لكنني ادبيا كنت الأقرب منه. وكتبت المقدمة ولم يعترض ولم يضيف ولم يحذف كلمة وكان جد راض عما بدا له اني كفيت ووفيت.
عمار بلحسن لا بمكن لأحد أن يكتب عنه..هو نفسه لا يستطيع. عندما قال له الطاهر وطار.. الذي ظل صديقه المقرب إلى ما بعد وفاته…بسبب وقوفه معه فيما سمي وقتها. منتصف الثمانينيات ب ” بوجدرة gait ” والتي لعب فيها كل من الراحل عمار بلحسن وصديقه المقرب…صديقنا جميعا الأستاذ الجامعي والمحامي حمزة الزاوي..اللذين كانا يشرفان على إصدار ملحق ” أوراق معاصرة” بيومية الجمهورية..رأس الحربة في نشر مقال الراحل بختي بن عودة بشأن سرقة بوجدرة لنصوص من الشاعر المغربي محمد بنيس..
وطار.. الذي كان على خلاف كبير مع بوجدرة وقتها وقبلها وبعدها..وجد في المقال فرصة كما كتب تعقيبا على المقال وفي نفس الملحق ” ليجهز” على بوجدرة قائلا: الفارس العربي كان إذا تغلب عليه خصمه واسقطه..يقول له خوفا من العار والفضيحة. يقول له: اجهز علي يابن الأكارم “.. وراح وطار يجهز على خصمه الأدبي.
منذ أن قال له وطار..أكتب. رواية.. وأعدت له نفس الطلب رد علي بنفس الإجابة…: لا استطيع مستحيل لأن ذاكرتي متشظية. نفس الكلام تقريبا قاله لي ضاحكا بعد أن أنهى وناقش رسالة الماجستير في سوسيولوجيا الأدب عن ثلاثية محمد ديب. قال لي لما سألته..هل ستكمل وتحضر رسالة دكتوراة؟ رد علي ضاحكا: أقول لك ما قلته لآخرين: اللي نعاود نسمعه يقول لي حضر الدكتوراة. نضربه بركلة للمؤخرة هههه.
لقد كان متعبا ولم يفكر في المواصلة ولم يكتب يومآ رواية ولا عملا طويلا الا بعد أن اقعده المرض.
قبل اكتشاف مرضه..كان الراحل قد نجى مع زوجته من حادث مميت بسيارته رونو 9.عندما كان عائدا من مغنية إلى وهران. الحادث كان صعبا عليه..لم يتحمل .بقي يعاني لأشهر قبل أن يكتشف المرض ويدخل في دوامة من الحزن لم يتمالك فيها نفسه الا عبر الصبر والخضوع لترتيبات صديقة الطبيب الذي كان نعم الصديق والمعالج والمرافق له إلى يوم رحيله.
بدا بالقراءات التي تبعده عن التفكير في المرض الذي كان يخفيه عن الكثير منا إلى أن وصل إلى مرحلة الانتشار.
عندما زرته وزجتي..لم اتمالك نفسي. كان الحزن يقرضني من الداخل وانا أرى وجهه الشاحب المبتسم لافتعال الصبر والشجاعة والجلد في مثل هذه المواقف. زوجته واطفاله كانوا أقل منه صلابة وجلدا.
واصح الان ان عمار بلحسن قد تغير. لقد تغير منذ أن رأيته مباشرة بعد حادث السيارة ثم اثر إغتيال صديقه المبدع..صديقنا جميعا..والذي احتفظ له ايشا بذكريات جميلة أدبية وإنسانية. الروائي الراحل…الطاهر جاووت. عندما ذكرت له اسمه بعد الاغتال مباشرة..استدار إلى الجهة الأخرى وطلب مني أن لا أذكره واعقر الجرح الدامي في قلبه. زوجته قالت لي باسى…أعمر لم يعد يقدر على سماع خبر الموت فضلا عن صديق عزيز عنده. تأسفت وسكتت ولكنه لم يسكت وانتقل إلى موضوع آخر.
كان مستلقيا على ظهره..وأراني بطنه المنتفخ قائلا؛ كل مرة Hنا مضطر للخضوع إلى شفط هذا الماء الذي يملأ بطتي.
لأول مرة اسمعه يتحدث عن الصبر والمقاومة والقضاء والقدر.
بعد هذه الزيارة..بدا لي عمار قد تغير. كان يقرأ ولا يمل لعله كان يريد ان يملأ الفراغ أو حتى لا يفكر في المرض. .. هكذا بدا لي الأمر ساعتها.
لا اعرف منذ متى بدأ التغير الابستمولوجي عنده.. ولكن انا متأكد ان المسألة تضاعفت بعد حادثة السيارة وأكثر مع اكتشاف المرض. لأول مرة اسمعه يحدثني عن صلاة الفجر..وعن الروح والروحانية والتصوفوالزهد.. ولم أكن اعلم انه كان قد بدأ يكتب مع القراءة من سجل ومدونة مغايرة تمامآ لأفكار ومعتقداته السابقة… كان الرجل قد تغير بالمطلق. كانت استدارة ب180 درجة..وهذا منذ وقت ليس بالقصير..قد تكون سنتان أو أكثر.
ليس المرض والخوف من الموت وحدهما كانا المحرك الوحيد لهذا التغير الجذري عنده..إنما الوحدة..والشعور بالضعف وتراكم الضربات الموجعة عليه …حادث السيارة.. الكسر. البقاء مضطجعا لأشهر. رؤية الأطفال والزوجة وهم يتألمون فيما هو يحاول أن يبدو غير ما يحس ويشعر خوفا على احاسيسهم وشعورهم بالضعف وعدم اليقين..
أشياء كثيرة كان بتمنى أن يقوم بها ومنها تصوير فيلم عن أحمد زبانا الذي أراني السيناريو الذي كتبه عنه. ولم ير النور. كان يفكر في الأمور السياسية والفكرية وفي الجامعة وفي اليحث وكان غاضبا من رفض معهد علم الإجتماع ترقيته لأن الترقية تتطلب منشورات. جاءهم بشكارة من الدراسات والمقالات الصحفية وبالعشرات وكان غاضبا جدا من أن كل ذلك وكل اعماله ونشاطاته ومقالانه لم تكن مقبولة..وغير معترف بها. شعر بعدم الإعتراف من قبل مؤسسته التي ترأس إدارتها أيضا.
كل هذه اللكلمات تلقاها دفعة واحدة فكان الهروب نحو خلاص عبر القراءات المحيلة على القدسية الطاهرة النقية البعيدة عن العبث والعبثية وفلسفة البؤس.
رحل عمار وهو يردد كل مرة أمامي لما اناديه باسم عمار.. انا يسموني أعمر…وكأنه قد أدار ظهره لاسمه الأدبي بحثا عن عودة إلى موطن الداخل الأصلي. فيه..الاسم ألذي طبعه والداه ودفتر العائلة وتلفظ به الأقارب والمقربون. محاولة بحث عن الذات الأصيلة الأصلية وتنكرا باديا لاسم شهرة زائفة..
رحل عمار وهو يقرأ القرآن ويحرص على الصلوات وصلاة الفجر. بعدما كتب من صفحات جديدة غطت حياة مليئة بالمسرات والمطبات الدنيوية..صفحات تكتب له أنه اليوم مع الخالدبن.
رحمك الله يا عمار وجعل الجنة دارك الأبدية.

المصدر: صفحة البروفيسور عمار يزلي

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram