عمار يزلي
أتذكر، أني دخلت مرة واحدة الملعب، أشاهد مباراة “ديربي”. أولا، لما جرني صديق لي، مهبول على الكرة، حتى سميناه “البينالتي”.. إلى الدخول للسطاد، لم أكن أفهم حتى معنى هذا “الديبري”.. كنت أعتقد أن “زوج دروبة”.. شوارع يعني.. سيلعبون ضد بعضهم بعضا.. فسميت هكذا. والحقيقة أنها كانت كذلك… بل وأكثر، فهمت فيما بعد أن “الدبربي” مشتق من “الضربي”..
كان عمري لا يتجاوز ال18 حين جرني البينالتي من يدي ورجلي.. وخلّص علي التذكرة، وجرني إلى غاية السطاد.
أول ما لاحظته بجوار الملعب، أن “الأنصار”، كانوا يلتقطون الحجارة من على الأرض والبعض كان يقوم بتكسير الكبيرة منها. قال لي صاحبي: هاك هرس هذه الحجرة، ودخل معك في جيوبك. قلت له: علاش؟ ضحك وقال لي: ما علابالكش؟.. رانا في منى.. اليوم نرجموا الشيطان.. راهم لابسين الأحمر.. ونتاعنا راهم لابسين الأبيض.. الملائكة مع الشياطين.. أضرب وقيّن مليح..
ملأت جيوبي الأربعة بزوج كيلو فرساخ.. عرفت بعدها سبب طلب البينالتي مني لبس سروال فيه جيوب كثيرة وعريضة. ودخلنا من البوابة الكبرى بعد طول انتظار.. نصف يوم تقريبا.. طبت بالشمس والعطش والجوع. مزية، صاحبي كان جايب معه كاسكروط كاران.. وقرعة ماء صغيرة.
الشعب، كان كالذباب، والبعض كان يتسلق الأسوار وسط حالة طوارئ كبرى: درك، قوات مكافحة الشغب، شرطة..
أول ما وصلت عند البوابة رفقة صديقي، وكان التدافع قويا، هو أنه “تكلّمت فيّ” هراوة بوليسي في الظهر ززززدح.. صرخت.. ولم أعرف لماذا أضرب.
لاحظت أن ضربات الهراوات كان تأتي يمينا وشمالا من طرف أعوان شرطة المدخل الرئيسي، الذين كانوا يوزعون “حلويات الهراوة” على الداخلين، بأن يحصل كل 2 أو 3 من أصل 5 أو 6 على ضربات مؤلمة في الظهر أو الجنب أو المؤخرة.. حتى لا يتركوا فيها مارة.. كان توزيعا عشوائيا عادلا، وحظك أنت مع الأرقام.
جاءت في ضربة في الجنب، تقروحت، صرخت وبكيت.. ولم تأت في صديقي.. الذي راح يضحك مني وهو يقول لي: سينورمال.. اللي يدخل للسطاد يخصه ينضرب.
أخذنا مقاعدنا في وسط “الغرادان”.. وسط صياح وسب وشتائم المهاجرين و”الأنصار”.. كل هذا وأنا أتألم من الضرب وأبحث عن طريقة مُثلى للجلوس بدون ألم.. لكن لا مجال للراحة من هذه الضربة اليابسة المفاجئة. الحمد لله أن الضربة جاءت فوق جيبي الخلفي وامتصت قليلا الضربة، لكن حجرة “مشنقرة” مزقت داخل جيب السروال وانغرزت في اللحم وسال الدم.
لم أعرف هذا، حتى عندما جلست ورحت أعطي الحجر لصديقي ليرمي الجمرات بدلا عني، لأني أفهمته من البداية أني لن أرمي حجرا. فقال لي: “أعطيني الشرجما نتاعك كي ندخلوا”.
بقيت طوال الماتش أضغط بأصابعي على الجرح حتى يتوقف.. ولم أعرف.. لا كم كانت النتيجة ولا من سجل ولا من لم يسجل، كنت منشغلا بالألم والعطش والجوع ومقلّق على الخروج. قلت لصديقي” باغي نخرج، نقدر؟ قال لي: ممنوع.. تنضرب مرة أخرى أكثر من المرة الأولى.. اللي يدخل للحمام مش كما اللي يخرج منه..فهمت أنه عليّ الصبر والاستسلام.
في هذه الأثناء، كان الصراخ لا يتوقف والسب بكل لسان غير فصيح.. وتطياح الكلام القبيح منه أكثر من المليح.. والحجر يرفرف ويزفزف.. في كل الاتجاهات” الفريق الخصم، بالأحمر، وفريق الأنصار بالأبيض.. الأنصار يضربوا الحمر والمهاجرون يرجمون البيض.. حتى هم بالحجر وقرع الماء نتاع الزجاج.. لم تكن هناك بعد عبوات الماء البلاستيكية.
الجدارمية كانوا يجوبون من حين مناطق المناصرين لكلي الفريقين.. وينهالون بالضرب على خمسة أو ستة منهم، فيقوم الجميع يهربون في كل الاتجاهات والماتش يلعب.. حتى أن الأنصار اختلطوا من المهاجرين.. اختلط الحابل بالنابل.. وعوض التأخي.. قامت فيما بينهم حرب الأحزاب…
.ياااااوتنوض وحد الدبزة… بين المهاجرين والأنصار: دبزة كحلة.. البونية تشرشف.. ولولا توقف الحكم وتصفيره لنهاية الجزء الأول بالتعادل صفر مقابل صفر، لما توقف القتال بين سكان الحي القريب من السطاد، وهم الأنصار.. وسكان الحي الشعبي البعيد عن الملعب وهم المهاجرون..
أنا وصاحبي كنا قد غيرنا مكان جلوسنا عدة مرات.. حتى وجدنا أنفسنا قريبين من بوابة الخروج الصغرى. كنت أجلس على الأرض وأسند ظهري إلى جدار، باحثا عن تسكين “للألمين”: ألم الجرح وألم ضربة الهراوة…ولم أعرف كيف انتهت النتيجة بعد الشوط الثاني.. حيث صفر الحكم وخرجنا أمواجا بشريا.. هذا يطيح على هذا.. وقوات مكافحة الشغب توزع الأرباح على كل المتفرجين بدون استثناء.. داخل الملعب.. الهراوة وتم الهراوة.. من تصب تسقطه ومن تخطئ يسقط حتى هو.. كنت أتسلل مع الجموع الهادئة.. باحثين عن تسلل نحو الباب الأصغر.. وهذا رفقة صديقي..
غير أنه بعد الخروج مباشرة، عاود لي شرطي آخر.. تذكيرا و “ميزاجور” ….تلقيمة ثانية.. جرعة الخروج.. وجابلي ضربة في المسلان .. وصرخت.. مزية ماجاتش في الجرح: الضربة كانت موجهة لصديقي.. الذي تمكن بأعجوبة من الانفلات منها واجتنابها، وجاءت فيّ أنا.. أنا الذي تحصل على 2 مقابل صفر لصديقي… في مباراة لا ناقة لي فيها ولا جمل.
لما دخلت للبيت، ولم يكن أحدا موجودا لحسن الحظ.. اغتسلت وبدلت.. وأسعفت نفسي بنفسي، بأن وضعت غبرة القهوة على الجرح .. عندها دخلت أمي من عند الجارة ودخل أبي بعدها بقليل من العمل.. ثم جاء الإخوة الصغار يتساءلون: شكون ربح شكون ربح؟ كي داير السطاد؟ ؟ شكون أخسر؟.. قلت لهم: والله ماعلابالي بوالو..الشي اللي علا بالي به هو أن الخاسر الوحيد.. هذا اليوم، هو “هذا الحية… اللي راه حي قدامكم اليوم”.