ما قل ودل

الخبير الجيوسياسي “أحمد ميزاب” يفتح قلبه لجريدة المقال…المناعة مصطلح تعّول عليه الجزائر لصّد كل هجوم جائر

شارك المقال

استطاع بفضل تحليلاته الموضوعية حول مجمل القضايا الجيوسياسية بأدوات العقل و الفكر التنويري أن يجعل كل من حضر مداخلته التي ألقاها في مكتبة “أبي راس الناصري” بقلب مدينة معسكر يوم أول أمس يستفيض من الأفكار النوعية التي يتزّود المرء من خلالها بسلاح التصدي لكل القوى الناعمة و مختلف الوسائل التي تنتهجها الأجندات الغربية من أجل ضرب مقومات الأمة قصد النيل من وحدتها الوطنية, إنه الأستاذ المتخصص في الجيوبوليتيك “أحمد ميزاب” الذي بعد محاضرة قيمة حول الوحدة الوطنية و مقاربتها مع الدولة الوطنية في تحديات الثابت و المتغير رحّب بدعوة جريدة “المقال” لإجراء حوار شّيق أجاب من خلاله البروفيسور ميزاب عن عدة أسئلة غاص الطرفان من خلالها في قضايا الساعة التي تعنى بها بلادنا الجزائر بالدرجة الأولى, بحكم أنها طرف في المعادلة الدولية أو إن صح التعبير الكونية التي يعيد من خلالها العالم رسم خريطته السياسية بفضل تمددات دول بمقابل تقلصات دول أخرى و صعود أنظمة و سقوط أخرى أيضا و عن هذه القضايا و قضايا أخرى نقترح على قراء جريدة “المقال” متابعة حوارنا مع الأستاذ “أحمد ميزاب”…

بادئ الأمر و بعد الترحيب بك ضيفا عزيزا على جريدة “المقال” هل لنا بتعريف موجز للسيرة الذاتية للبروفيسور “أحمد ميزاب”؟

أحمد ميزاب هو باحث و محلل في القضايا الأمنية و الاستراتيجية, سبق لي المشاركة في العديد من الملتقيات الوطنية و كذا الدولية في العديد من المسائل, أملك العديد من الدراسات في مجال هذا التخصص و لدي الكثير من المشاركات و الحضور في مراكز الدراسات الإستراتيجية سواءا كانت إقليمية أو حتى دولية و حاليا أنا أشغل منصب مستشار في مركز الدراسات الأمنية و الاستراتيجية بتونس ناهيك أنني عضو بالمركز الإفريقي للدراسات الجيوسياسية.

حاليا نحن في عالم يتعرض لتغييرات جيوسياسية أي أن الخريطة السياسية العالمية تعيد رسم نفسها نتيجة عدة متغيرات كما سبق لك و أن عبرت خلال محاضرتك, فما هي مكامن الربط لما يجري على الصعيد الدولي و علاقة بلدنا بمثل هذه التغييرات المرتبطة بطبيعة الحال بمصطلح المناعة التي تعول عليه الجزائر لصّد كل هجوم جائر من أجل الحفاظ على ثوابت الوحدة الوطنية؟

بالفعل مثلما ذكرت فإنه من بين المسّلمات التي يقف العالم أمامها أنه في حالة تغير فهناك بعض البلدان تتمدد و هناك من تتعرض للتقلص بفضل العديد من المتغيرات كما يعلم العام و الخاص و ذلك نتيجة طبيعة الأحداث و طبيعة الأزمات المطروحة على الصعيد الدولي, فلا يخفى على الجميع أننا نعيش حاليا في عالم أحادي القطبية يسيطر عليه صانع قرار واحد في الساحة الدولية الذي يهيمن على مختلف المجالات بل يتحكم حتى كذلك في مصير الشعوب و مصير الأمم من خلال المنظمات الدولية, و أمام هذه القضايا الدولية سواءا تعلق الأمر بالأزمات أو الصراعات أو حق الشعوب في تقرير المصير و النظام الاقتصادي العالمي و التنمية و الفقر و التمايز و التهديدات الأمنية, أصبح هنالك على المحك طرح الكثير من التساؤلات كما هو مصير المنظمات الدولية التي كان يفترض أنها تحفظ و تحافظ على مفهوم السلم و الأمن و الاستقرار الدوليين؟ لكن كما نلحظ للأسف فاليوم و في ظل التطورات الأخيرة للقضية الفلسطينية جعلت هذا السؤال يتحول من مجرد طرح إلى حقيقة وواقع مرير, حيث اقتنع الكل أننا نعيش في غابة القوي يأكل فيها الضعيف و بأن الأمم المتحدة أصبح مصيرها مهّدد أو مجهول فإما أنها تسير نحو إصلاح عميق هيكليا و تنظيميا أو نسير نحو تفكيكها و بالتالي البحث على هيكل جديد, و لذا أصبحت هناك قناعة أساسية بأن الصراع الدولي اليوم ما بين القوى الفاعلة و بروز قوى جديدة و تراجع القوى التقليدية أصبح يفرض بأن نسير نحو إعادة فرض نظام عالمي جديد يقوم على مبدأ التعددية القطبية حتى نخلق به نوع من التكافؤ و نوع من التوازن و نوع من العدالة  في حدودها الدنيا, حيث يقو م هذا النظام ليس فقط على مسألة التفوق العسكري بل يقوم أيضا على عدة عوامل أبرزها التطور الاقتصادي و أيضا البرهنة على قوة الدولة من خلال قوة مجتمعاتها و بالتالي أصبح هذا هو المشهد الذي يتم التنظير له من قبل جميع الفاعلين, لكن في نفس الوقت فبناء هذا النظام العالمي الجديد ليس الانتقال إليه بالعملية السهلة أو السلسة فالوصول إلى الغاية المرجوة يتم عن طريق قبضة صراع ما بين القوة و الضعف أو ما بين الخير و الشر, لذا فما بين هذا التطاحن و التصارع ستسقط قوى و سترتفع قوى أخرى و هناك دول قد تتمدد و دول أخرى قد تتقلص و منها من سيتماسك, و بالتالي من المهم جدا أن نرّكز على أهمية تعزيز مقومات الوحدة الوطنية و تعزيز أركان الدولة الوطنية لكي نكون حاضرين كرقم ضمن هذه المعادلة و ليس أن نكون مغيبين أو أن نكون ضحية ضمن ضحايا هاته التفاعلات العالمية, و لهذا من المهم في بلادنا التركيز على هذا المبدأ و هذا الركن الأساسي باعتباره أن الوحدة الوطنية محور استراتيجي و باعتبار أن بلادنا الجزائر تراهن على مشاريع نهضوية و تعمل على بناء اقتصاد وطني قوي من خلال استغلال قدراتنا و مقدراتنا فنحن نسير على الاعتماد على الطاقة و مصادر الطاقة البديلة, علما أن هذا المصطلح برفقة الأمن الغذائي أضحى مطروح بقوة على الساحة الدولية مؤخرا مثلما هو الشأن بالنسبة لموضوع الأمن و كذا موضوع المناخ و تغيراته, و بالتالي يجب السعي إلى تغطية هذه الجوانب في إطار تعزيز مقومات مفهوم الأمن القومي الجزائري من نواحي مختلفة تتمثل في الأمن الغذائي كما أردفت و الطاقوي و في مواكبة و مواجهة التغيرات المناخية, خصوصا و أن هذا الطرح الأخير ينّظر لعودة شبح الاستعمار من جديد و هو ما تؤشر عليه الدراسات الاستشرافية لما بعد ستين سنة قادمة, و التي تتحدث عن إمكانية حدوث استعمار جديد لتحقيق التوازن ما بين النمو الديموغرافي و تراجع السّلة الغذائية, فالبتالي أقولها و أكّررها أنه من المهم جدا تعزيز مقومات الوحدة الوطنية لضمان الحضور في معادلة التحولات و التغيرات في الخريطة الجديدة للنظام العالمي.

في إطار الحديث عن سقوط دول خلال المرور إلى النظام العالمي الجديد ما تعليقك على ما حدث و يحدث في سوريا من تغييرات في الوقت الراهن؟

سقوط النظام السوري السابق لم يكن بالمسألة المفاجئة كما يعتقد البعض بل كان متوقعا, لكن التوقيت لم يكن متوقعا, فالنظام السوري السابق لم يستفد من التجارب السابقة و لم يصّحح من نفسه و لم يغّير من أدواته و لم يغّير من نهجه و لم يغّير من أساليبه, و للأسف فالنظام السابق و لو لوهلة اعتقد أنه انتصر و أنه أنهى محطة من محطات الربيع العربي لكن لم يتوقع أنه لهذا الربيع العربي موجات فبعد صموده في الموجة الأولى و كذا الثانية فليعلم الجميع أننا حاليا نعيش إرهاصات موجة ثالثة, فالنظام السوري السابق لم يسر نحو إصلاح مؤسساتي و سياسي و لم ينجّر نحو مصالحة و لم يبحث عن أي مبادرات يرّمم بها نفسه و التي كان من شأنها أن تغير من نمط التفكير الشعبي, فكما تعلمون أن الدول تبنى من شعوبها فهي تبدأ من الشعوب وتنتهي عند الشعوب, و يبدو أن النظام السوري السابق لم يستوعب هذه المعادلة, و للتذكير أن السياق الذي سقط من خلاله النظام السوري حاليا فإنه يختلف تماما على ما جرى خلال أحداث سوريا منذ عشر سنوات, فهذا السقوط جاء تزامنا مع معركة طوفان الأقصى علما أن المعادلة السورية من قبل كانت بمثابة حرب باردة بين الغرب و الشرق, أي بين أمريكا و روسيا و بالتالي أصبحت هناك قناعة لكل المتابعين للأحداث في الشرق الأوسط و تطوراتها أن تسوية الأزمة السورية تمت على التوافقات ما بين الولايات المتحدة و روسيا, حيث أن هناك نقاط التقاء ما بين هذين القطبين العملاقين فالأولى تتعلق بتسوية الملف الأوكراني بالنسبة لروسيا, و النقطة الجوهرية الثانية هي التوافق ما بين روسيا و أمريكا لضمان البحث على الآمان للكيان الصهيوني و ضمان محيط هّش للكيان الذي يضمن البقاء له آمنا على الأقل لعدة عقود من الزمن, علما أن روسيا ليست ضد مصالح الكيان الصهيوني, و بالتالي تم التضحية بسوريا و تقديمها على طبق من ذهب.

ظهرت مؤخرا معضلة بعض المثقفين للأسف من بني جلدتنا, و الذين أضحوا يهاجمون كل ما هو جزائري من خلال كتاباتهم فما تعليقك على هذا التكالب و في هذا الوقت بالذات ؟

قبل الخوض في الجواب على هذا السؤال أعتمد أولا على مقاربة كيف ينظر الغرب لمفكريه حينما يشكلون تهديدا لوحدته الوطنية و لهويته و لمقوماته الوطنية, فأنا أجيبكم أنه يصّنف في قائمة الخائن و يحاكم لذا فمن هذا المنطلق أقول للجهات التي تصّدع رؤوسنا بأفكار هؤلاء إن صح التعبير المثقفين المرضى, أنه من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة, ففرنسا التي تلعب دور المحامي على بعض الكتاب يجب أن نعرف أن هذا البلد قام بتغريم و محاكمة العديد من كتابه و تم إقصاؤهم و تجميد مؤلفاتهم و مبيعاتهم بمجرد أن شكّلت كتاباتهم ما يعرف في فرنسا بتهديد للهوية الفرنسية و لعل إقصاء كل من تكلم على المحرقة لخير دليل على هذا الكلام, و أيضا نفس الشيئ حدث بالنسبة للكتاب الأمريكيين خلال أحداث 11 سبتمبر فكل من حاد عن القناعات الأمريكية تمت ملاحقته و محاكمته و صودرت كتاباته, و من هذا المنبر أقولها و أكّررها أنه إذا كانت الكتابات تمّس بالوحدة الترابية و الوطنية و بمقومات شعب و أمة فهذه الكتابات تصنف في خانة العمالة و ليس في خانة الأدب بل قلة الأدب, فالعلم و الأدب الذي لا يبني أمم فهو ليس بعلم و ليس بأدب, فإنما هي أدوات الحروب الناعمة التي تستهدف الأمم و تسعى للتشويش على الشعوب من خلال استهداف العقول.

و ماذا يقول السيد ميزاب عن تصريحات إيمانويل ماكرون لدى نزوله ضيفا على نظام المخزن فيما يخص قضية الصحراء الغربية ؟

أولا يجب أن نسّلم أن ماكرون يعيش راهنا أزمة نفسية و أزمة إدارة فذات الرئيس سوف يكتب عليه التاريخ الفرنسي بأنه شكل تهديدا للجمهورية  الفرنسية الخامسة, و هذا حسب ما كتبته عنه وسائل الإعلام في بلد “الهيكساجون” و ذلك تزامنا مع سقوط العديد من حكوماته, و هو ما يعتبر بحد ذاته مساسا بمصالح فرنسا الاستراتيجية, ففرنسا في عهد ماكرون تمّر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها بعدما سحبت إفريقيا من تحت قدميها و  مناورة ماكرون حول ملف الصحراء الغربية ما هو إلا محاولة تموقع جديدة لفرنسا في بلدان الساحل و لأجل ذلك يلجأ ماكرون لإثارة الأزمات لأجل الاستفزاز رغبة في إيجاد منفذ للعودة مجّددا لمنطقة الساحل.

لقد كان الاستعراض العسكري الذي قام به الجيش الوطني الشعبي خلال احتفاله بسبعينية قيام ثورة أول نوفمبر مفخرة لكل جزائري حّر فما تعليقكم على هذا الحدث الوطني ؟

هذا الاستعراض الذي جاء تزامنا مع سبعينية ثورة التحرير ما هو إلا رسالة التزام بالعهد مع من قدموا أرواحهم لأجل استعادة السيادة الوطنية و استرجاع الإستقلال الوطني, و من ناحية ثانية هو تأكيد على أن ثورة التحرير المباركة لم تذهب سدى, و إنما أنتجت جيش وطني شعبي قوي يصّنف ضمن الجيوش الكبرى في العالم حيث يحتل المكرز ال26 عالميا, و من ناحية أخرى أظهر ذات الاستعراض مدى تقدم المؤسسة العسكرية على مستويات مختلفة و امتلاكها لقدرات الردع و مرّرت من خلاله رسائل بأن الجزائر هذا البلد الذي يدعو دائما للسلم و السلام و الأمن و الاستقرار يمتلك مقومات صناعة السلم و الأمان و بأنه مصدر أمان و ليس تهديد, و من ناحية أخرى هو تأكيد على مختلف الروابط الوطنية التي يعتز بها كل جزائري, فالاستعراض كان رسالة أيضا للتطور و التقدم و رسالة الوفاء و رسالة أداء الواجب وفقا لما ينّص عليه دستور الجمهورية الجزائرية.

كسؤال أخير ما هي رسالتك للشباب الجزائري فيما يخص التلاحم وفق مبادئ الوحدة الوطنية ؟

في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها حاليا رسالتي للشباب هي أنه عليه أن يكسب رهان معركة الوعي من خلال اطلاعه على مختلف التحديات و المخاطر القادمة من الغرب على أمواج فضاءات مختلف المنصات الإجتماعية, فالشباب الجزائري هو طرف أساسي في معادلة الوحدة الوطني و بالتالي عليه أن يكسب هذا الرهان من أجل الحفاظ على وحدة و استقرار بلده باعتباره المرتكز الأساسي للتواصل ما بين الأجيال و لتسليم الأمانة التي نثوارتها جيلا عن جيل للأجيال القادمة, أين يجب أن تكون هذه الأمانة كاملة متكاملة و غير منقوصة.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram