بهذه السطور من الشاعر الفلسطيني محمود درويش يقدّم المؤرخ الإيطالي إنزو ترافيرسو كتابه “غزّة تواجه التاريخ”، الذي صدر بالإيطالية أولاً ثم تُرجم إلى لغات عديدة، بينها الإنجليزية التي تعتمدها هذه المراجعة.
والمؤلف غير غريب عن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي عموماً، فقد صدرت له مؤلفات مثل “المسألة اليهودية والسجال الماركسي»”، و”نهاية الحداثة اليهودية”.
يكتب المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني رشيد الخالدي: المؤلف “يقدّم ردّاً لاذعاً، بارع الارتباط بإجادته التاريخ اليهودي الأوروبي، وبالمباركة النشطة وشبه الإجماعية التي أبدتها النخب الغربية لحرب إسرائيل الإبادية ضدّ غزّة، وتسلّحهم غير النزيه بالعداء للسامية (وبالعداء للسامية الحقيقي لدى اليمين المتطرف في بعض الحالات) للهجوم على مناصري الحقوق الفلسطينية”.
فلسطيني آخر هو رجا شحادة، يقول التالي عن الكتاب: “في وجه المحاولة الكاسحة لتزييف الحقائق يأتي هذا التحليل الجلي ليشرح، بين أمور أخرى، سبب عجز الغرب وعزوفه عن وقف تسليح إسرائيل، وكيف تُستخدم ذاكرة الهولوكوست للدفاع عن إسرائيل، وكيف تنجح إسرائيل في طرح ذاتها كضحية بينما تمعن في تدمير غزّة تحت وابل من القنابل وما هو أدهى بكثير”.
والكتاب يطرح جملة من الأسئلة المنهجية التي تستهدف تأطير حرب الإبادة خارج المقولات التقليدية، الاختزالية غالباً، التي شاعت في القراءات الغربية للحرب، والتي روّجت لها آلة الدعاية الإسرائيلية أساساً، وتلقفها الغرب على مستوى رسمي لدى الحكومات، وعلى مستويات سياسية وإعلامية وأكاديمية وثقافية في غالبية هيئات ومؤسسات المجتمع المدني.
فهل تدمير غزّة ينحصر في الردّ على حدث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يتساءل ترافيرسو، أم أنه أيضاً حصيلة سيرورة طويلة من الاقتلاع والتجريد؟ وهل يمتلك الفلسطينيون الحق في مقاومة الاحتلال؟ وهل الحديث عن الإبادة يندرج تلقائياً في العداء للسامية؟.
تلك بعض الأسئلة التي تُمكّن ترافيرسو من التوغل عميقاً في جذور النوع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، عن طريق مساءلة التاريخ وتقديم تأويل نقدي بديل يقلب المنظور أحادي الجانب، الذي اعتاد عليه الغرب في قراءة ما يجري في غزّة.
ويتوقف ترافيرسو عند المقولة الشائعة في الغرب والقائلة بأنّ إسرائيل جزيرة ديمقراطية وسط محيط ظلامي، وحماس حركة تستلهم التعصب المتعطش للدماء، ليجادل في المقابل بأنّ تدمير غزّة يذكّر بـ”العصر الذهبي” للاستعمار، حين ارتكب الغرب سلسلة إبادات في آسيا وأفريقيا باسم المهمة التمدينية.
ذلك لأنّ الافتراضات الجوهرية بقيت على حالها: الحضارة ضدّ البربرية، والتقدم ضدّ التعصب، وفي السياقات هذه تتعالى التصريحات حول حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فلا يأتي أحد على ذكر حقّ الفلسطينيين في مقاومة عدوان عمره عقود.