أصبحت الجزائر بمختلف طبوعها الجغرافية سواءا بحرية أو صحراوية أو سهبية و حتى جبلية مثلما جاء في شعار قواتنا الخاصة المباركة تحوي تاريخا مقبورا يحكى و يفتخر به, أبطاله قبروا لكي تحيى الأجيال التي بعدهم في حرية و أمن و استقرار, فبرغم أن عدد شهداء ثورة التحرير التي دامت سبع سنوات و نصف قد تم حصره في مليون و نصف مليون, دون تدوين العدد الإجمالي للمقاومات الشعبية التي بدأت بأول جندي جزائري سقط على مرتفعات سطاوالي مرورا بالحجوط و هّلم جّرا حتى معركة التحرير التي استعاد من خلالها الجزائريون ما سلب منهم غدرا و بالقوة.
ها هي بلاد الشهداء لا تزال تبرهن أنها كتاب تاريخ مفتوح دوّنت صفحاته بالدماء الزاكيات الطاهرات فوق رؤوس الجبال الشامخات حيث ثار أبطالها في حياة أو ممات, أين لا تزال هذه الأرض المباركة تلفظ شهداءها من وقت لآخر لكي يكونوا شهودا على ما عاناه الجزائريون صغيرهم و كبيرهم , كهولهم و شيابهم نسوتهم و رجالهم من قبل الاستعمار الفرنسي الذي لا يزال رغم ثبوت القرائن على جرائمه يتنصل منها مثل القاتل المتسلسل الذي يعود إلى مسرح جريمته لكنه يرفض الاعتراف بها.
فيوم أول أمس اختار أحد الشهداء الإدلاء بشهادته من أرض ميلة على أن الجزائريون لم يعطوا الاستقلال كهدية مثلما يريد البعض الترويج له, بل جاء بتضحيات جسام تمّخضت من مواسير البنادق و شفرات السكاكيين و أكوام البارود و ألحان الرشاشات.
فما وجد أمس بجانب الشهيد الجزائري في أحد مغاوير ميلة يدعو للدهشة و الفخر في آن واحد, حيث برهنت متعلقات الشهيد أنه كان صاحب يد عليا في تحرير الجزائر, فكان رغم التكوين العسكري العفوي إن صح التعبير ذو هّمة عالية, كيف لا و أنه كان متوشحا ببندقية سبق و أن لفظت العديد من الخراطيش في وجه الغزاة الفرنسيين و أيضا مصباح جيبي لكي ينير دربه في تلك المغاوير المظلمة.
و ما يثير دوما الدهشة و الفخر هو قصيدة كتبها الشهيد المقدس بلغة عربية راقية كرقي روحه يؤرخ من خلالها لمجريات إحدى المعارك على وزن قافية شعرية توحي بأن الشهيد كان خريج الكتاتيب و ذو ثقافة عروبية رفضت الانبطاح للتغريبة الفكرية التي روّج لها الاستعمار الفرنسي منذ وطأت أقدامه أرض الجزائر الطاهرة.
و جاء اكتشاف رفات هذا الشهيد البطل التي تعتبر خبيئة زكّية تزامنا مع الحملة المسعورة التي تقودها كلاب اليمين المتطرف الذين ما انفكوا رفقة أزلامهم يتحاملون على كل ما هو جزائري, حيث لا تزال آثار الهزيمة أمام جيش التحرير المبارك يتذكرونها و كأنها كانت بالأمس فقط.
فرغم أن فرنسا تريد دوما النأي بنفسها مما اقترفته من مجازر و مذابح و محارق في الجزائر, يبدو أن شهداءنا لا يزالون يصّرون على حربها حتى و هم في قبورهم المتبعثرة في كافة ربوع الوطن, و أبوا إلا أن تلفظهم لحودهم كي يقفوا أمام فرنسا الاستعمارية في محكمة التاريخ…فحقا صدق العربي التبسي حينما قال “من عاش فليعش عدوا لفرنسا…و من مات فليحمل عداوته لها في قبره”.