كانت البداية شعوره أن مايقوم به وما يُعلِّمه وماتَعلّمه لم يكن فيه (الإخلاص)، إنه (الخلل في النيّة) ، ومن هنا كان الإخلاص وتطهير القلب والابتعاد بلغتنا اليوم عن ” الانتهازية” و”الوصولية” و”كسب الجاه الدنيوي”. بداية رافقت حالة مرضية عاشها وهي “الشّك” الذي كان طريقاً نحو “اليقين” ، وقد قال في (ميزان العمل) :”الشكوك هي الموصلة إلى الحق فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال”.
تجربة ورحلة وخلوة أبدع لنا فيها (إحياء علوم الدين) ، وكان الفضل بنور قذفه الله في صدره، وقال للذين يعتمدون منهجا عقليا واحدا “قد ضيّقتم رحمة الله الواسعة”.
هذا الكشف الوجداني لم يكن من خلال الترديد للأقوال و إجادة الحكي والبكاء والشطح، أو النفاق الديني وزيادة الجرعات الدينية “حالة التخمة الدينية” التي لا يصحبها سلوك اجتماعي حضاري ومدني واحترام الآخرين.
إن “ميزان” الغزالي و”منقذه” و”إحيائه” طريق نحو الجمع بين العلم والإخلاص، نحو تأسيس زوايا صوفية فيها “صفاء النيّة”، يكون الإخلاص نورها، والعلم أساسها، والدين السليم قاعدتها، وهذا معنى القول: “جنيد السالك” في جوهره التاريخي الحقيقي وليس “جنيد الطامع”.