يبقى التاريخ تاريخا و لو أراد المغرضون تغييره, فرغم دخول التكنولوجيا عصرنا الحالي بالسرعة السادسة إن لم نقل السابعة لم يستطع المرجفون أن يمحوا من الذاكرة الجماعية العالمية بأن أسطولنا البحري كان سيد البحر الأبيض المتوسط, و رغم ما قيل و ما يقال لن يستطيع أيّا كان أن يمحو أسطورة الأمير عبد القادر محي الدولة الجزائرية من ركامها و مدخل أبجديات الحداثة عليها, و لن يستطيع أيا كان أيضا أن يكذب على التاريخ و ينفي أصل طارق بن زياد أنه أمازيغي جزائري من منطقة ولهاصة بغرب الوطن, و من أنشأ إمارة غرناطة هم الزيريون الجزائريون, و منقذ الأندلس و إبقائها إمارة إسلامية لقرون من الزمان هو إبن ندرومة عبد المؤمن بن علي الموّحدي, فمن يريد فعل هذا كمن يريد سلخ الجلد على اللحم في جسد كائن حي و يطالبه بعد ذلك بالحياة فتاريخنا بمثابة الجلد الناعم الذي يحمينا من كل عدو كما تحمي مناعة الجسم نفسها من الميكروبات.
و اعذروني إن كان التشبيه نوعا ما ميتافيزيقيا و قاسيا, فهذه هي الحقيقة فالجزائر و بسبب قوة مناعتها الكامنة في رزانة و حكمة شيوخها و عجائزها و استبسال شبابها, باتت كذاك الجسد المفعم بالحيوية الذي تريد به الميكروبات شّرا و هو يقاوم و يدافع عن نفسه تارة بالمضادات الحيوية التي تتّجلى مجازا في قواه العسكرية ممثلة في الجيش الشعبي الوطني سليل جيش التحرير المجيد, و تارة بفضل قواه الناعمة مجّسدة في مجتمعه المدني و عنفوان شبابه الذي اصطف في صف واحد كما فعل أسلافه لقرون مضت من أجل الذود على ما هو آت و كله عزيمة بأن فترة التعبئة العامة ستّمر و لن تجلب من ورائها سوى البركة و الخير, كما حدث في سابق العصر و الأوان.
و إذ ألقي من وراء كلامي هذا كلمات مبّطنة ما تحت السطور, و ما بينها فحتما كلامي سيفهمه أصحاب العقول و ذوو الأرواح الزكية, فحقا صدق رئيسنا عندما تكلم عن الخطر الداهم الذي بات يهّدد أمننا القومي و الذي وجب توّخي الحذر منه, فإذ ذاك كان يقصد حروب الجيل الخامس التي باتت تتدّفق من كل حدب و صوب , لذا بات لزاما على الإعلام و الحديث منه و أخّص هنا بالذكر الإعلام الإلكتروني للتجّند عبر كافة كفاءاته الجامعية و الطبقة المثقفة, قصد خوض هذه المعركة التي يقودها أمثال هؤلاء و ليس الدخلاء على الإعلام الذين يبدو أن عهد استرزاقهم و ربحهم غير الشرعي قد ولّى, و ما يبقى ف”الواد غير حجارو” كما يقول المثل, فالخطب بات جللا و لن يقدر على هذه المهمة التي تكّنى بالجهاد الإلكتروني سوى أصحابها.
فالاستعمار هذه المرة لن يأتي على ظهور البواخر الحربية أو الدبابات العسكرية كما كان يجري فيما مضى على طريقة الحروب الصليبية, بل قدومه بدأ يشهد أولى قوافله عن طريق التشكيك تارة في القيم و الرموز الوطنية, أين أصبحنا نسمع بتخوين الأمير عبد القادر و بعض قادة ثورتنا المجيدة, و هذا ما يعرف اصطلاحا في الحروب الإلكترونية بالحروب المعرفية التي سبق و أن تكّلم عنها الخبير الأمني “أحمد بن سعادة” و حّذر من مغّبة الوقوع في مطّباتها, و هناك طرق أخرى من وسائل حروب الجيل الخامس و هي الاستدراج عبر القوى الناعمة التي تتسّتر تحت غطاء مساعدة نسيج المجتمع المدني لأجل التغلغل و إصابة الهدف بطريقة مباشرة, و آخر حلقة من هذه الحرب هي الالتفاف بعنصر الشباب و تشكيكه في هويته و الدفع به في ألواح الموت للموت غرقا في أعماق بحر الظلمات, أو خيانة الأمانة في الضفة المقابلة لفائدة العمالة للمخابرات الأجنبية لضرب الوطن الأم في الصميم.
لذا فوجب أو يستوجب على القائمين على المجتمع الإعلامي رّص الصفوف و إعطاء السلاح لمن لا سلاح له في مجال الإعلام الإلكتروني, لأن الخطب بات جللا و بات التنافس من أجل حماية الجزائر إعلاميا ليس هدفا منشودا فقط, بل واجبا مقّدسا يعادل ما قام به أجدادنا و أجداد أجدادنا منذ الأزل لحماية هذا الوطن, فقوى الشّر تريد تسميم الحاضر للعبث بالمستقبل لذا وجب التعامل معها بمبدأ النفير الإلكتروني…أظن رسالتي وصلت جمعة مباركة لكل الجزائريين و لا يزال حتما للحديث بقية.