استمعت يوم أمس و أنا ضيف في لقاء أكاديمي أقامته جامعة مستغانم مجّسدة في المكتب الجامعي للحركة الوطنية للطلبة الجزائريين، بالتنسيق مع مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية, و كل الشكر لرئيسه العربي بوعمامة الذي وجّه لنا الدعوة. إلى شهادة أحد الناجين من مجازر الثامن ماي 1945 بسطيف, و تابعت رفقة المتواجدين بكل أسف و ألم العاطفة الجياشة التي انبثقت من السيد سبيع عمار ذو ال 84 ربيعا, و هو يذرف الدموع جرّاء تذّكره تلك الذكرى المؤلمة, أين أخذ جنود اللفيف الأجنبي -الفرقة السينغالية- والده و قام بالجري وراءه و هو يشاهده يسحل أمامه بالأحصنة, و من تلك اللحظة بقي الوالد الذي تم تقطيعه كالشاة بعدها, مجّرد ذكرى لهذا الفتى الذي أضحى مجاهدا فّذا في صفوف الثورة التحريرية المباركة بعدها.
و استرسل السي سبيع عمار في حديثه عن تضامن و تراحم و تآزر الجزائريين فيما بينهم, عقب المحن التي يشتكي منها أي جزائري مهما كان توجهه و طيفه و مذهبه, أين يتداعى له سائر الجزائريين بالاحتضان و المساعدة, و ذلك ما حصل عندما قامت السيدة الوهرانية الشريفة خيرة بلقايد بالسفر إلى سطيف و جلبت 45 يتيما قتل أباؤهم و أمهاتهم خلال مجازر الثامن ماي,حيث استقبلهم الوهرانيون بالزغاريد و احتضنوا هؤلاء الأبطال الصغار و قاموا بتبّنيهم حتى.
و رغم صغر سنهم أناذاك يردف السي عمار أن فرنسا كانت تتوخى الحذر منهم معتبرينهم أصحاب حق و دم لدى المستعمرين و تخّوف هؤلاء السفلة من انتقام الصبية الصغار مستقبلا.
و بالفعل فبعد اندلاع ثورة التحرير المباركة خدم الصبية الذين أضحوا يافعين ضمن كتائب الفدائيين, و من بينهم السي سبيع عمار , فكانوا أول وقود الثورة في وهران و ما جاورها, و من منطلق لن يضيع أبدا حق وراءه طالب أذاق صغار الثامن ماي فرنسا أضعاف ما أذاقوه لأبائهم و أمهاتهم و أخواتهم و إخوانهم.
فالسي عمار لم يكتف بالعمل المسلح بوهران, بل كان يأخذه الحنين من حين لآخر لموطنه مدينة سطيف, أين كان يجلب المعلومات الدقيقة عن عدد قوات العدو و تحركاته و مواطن ضعفه و قوته للمجاهد الفّذ كريم بلقاسم الذي كسب إحدى المعارك و أباد إحدى كتائب العدو عن بكرة أبيها بسبب المعلومات التي أدلى بها السي عمار.
و من خلال حديث المجاهد عمي عمار سبيع, لمسنا أن الرجل يريد من كلامه تمرير رسالة مفادها أن العدو الآن يوّد كسب المعركة اليوم التي خسرها بالأمس من خلال زرع اليأس و القنوط في نفوس الشباب, داعيا إياهم بالنهوض بهدا البلد الذي سالت من أجله دماء زكية, فيكفي الجزائريين فخرا أنهم يعرفون بمعاركهم و تضحياتهم و لعل أبرزها مجازر الثامن ماي التي راح ضحيتها 45 ألفا في شهرين متتابعين من التقتيل و التنكيل و التعذيب…فرّبي يطّول في عمر عمي عمار و الله يرحم الشهداء أجمعين و يسكنهم في عليّين.