الجزء الثالث
في طريقي و أنا تحت لهيب الشمس الحارقة قرب مفترق الطرق ما بين سّكة القطار و المنطقة الصناعية بمنطقة السانيا, و قبل مروري ببعض الشركات الخاصة لعرض خدمات الإشهار لجريدتي من خلال اتفاقيات كنت أحملها معي بالدزازن, حتى أن ثقلها الذي كنت أحملها به عبر حقيبة لا هي بجلد خالص و لا جلد مقّلد سمح بأن يطيل يدي اليمنى على اليسرى, و قلت في نفسي لا بأس هي تلكم مخاطر المهنة “les risques du métier”, و مع تبديل مركز ثقل الحمل أصبحت كهيئة الجّن كما علمنا صفاته عبر الثراث الشفهي, أي الأيدي طولها عند مستوى الركب ههههه…و كل هذا لأجل الحصول على الكيروزين الذي ستقلع به جريدتي.
و مع كثرة خطواتي و كثرة إجابات “لا” التي سمعتها على وزن “ما نسحقوش ماركاتنا تفوت عندك فالجريدة كإشهار” من قبل مدراء الشركات الخاصة يهديهم ربي, الذين لم يقبلوا خدماتي رغم تنازلي بعرضها بالمجّان لعل و عسى بعدها, إلا أنه ليما عنده زهر يبقى يتبعه حتى للقبر ههههه…مثلما كانت تقول دوما جدتي رحمها الله.
و هنا في إحدى أمسيات بعد الزوال الصيفية الساخنة سخونة لفحة من لفحات جهنم, و إذا بي أقع مغشيا علّي بسبب البقلة “ضربة شمس بالعامية”, التي أصابت رأسي و لم أستطع أن أصلب عقبها طولي, و لم أستفق إلا و طابور من البشر محاط حولي و في تلك المرحلة لم أتمالك نفسي و خالجني رغما عني الدخول في حلم آخر, دخلت فيه و أنا متعّجب مستعجب لما شاهدته بأم عيني في فترة اللاوعي مني لكنني عندما استفقت علمت أن أحداث القصة حدثت بالفعل على طريقة مؤلف رائعة “الصباح و المساء” لصاحبها طه حسين, و صاحب القصة أصبح ميليارديرا في نهايتها, فيما بدأ مسيرته المهنية كمجرد شيفور…و يسمحونا خوتنا الشوافرة….الذين نحييهم من هذه القصة بالمناسبة.
الشيفور هذا بدأ مسيرته كطاكسيور في النهار و يشتغل في الليل كشيفور لمغنيات بمنطق “نهّرس الحجرة باش نجيب رزقي منها” وأو بمعنى آخر “و يعطيه”.
هذا الشيفور في أحد الأيام و هو يتصّفح جريدة وقعت فوق رأسه بخطأ في العنوان في إحدى المقاهي, و إذ به يرى إعلانا مفاده أن إحدى الجرائد تبحث عن شيفور يوصل الصحفيات و الصحفيين خلال إجراء مهامهم النبيلة في ميدان الإعلام, و في نفس الوقت يشتغل في المناوبات الليلية لتوصيل ما يجب توصيله من العمال و التقنيين ما بعد الإنتهاء من تجهيز الجريدة…لأاجل ذهابها للمطبعة.
…و مرت الأيام و أخينا و لدى احتكاكه بالرباعة التي تحّرر بدأ يتقّمص دور الصحفي, خصوصا عندما استطاع أن يحصل على بطاقة تسمح له بملاقاة الفنانين و الملاعبية في الميادين, حتى بدأت قصته مع عالم آخر ندم على عدم دخوله مبّكرا و ندم على تلويث مسيرته بتوصيل القنّايات و القنّايين في ظلام الليل و هو معاهم سهران…يتبع
ملاحظة: أي تشابه في أحداث هذه السلسلة فهو مجرد صدفة و فقط.