يعلم الغرب منذ الأزل أن وحدة صّف الجزائريين هي سلاح الدمار الشامل الذي يمتلكونه في حوزتهم, و الذي عبره تأتي كلمة السر التي بفضلها رمى أجدادنا بالغزاة في عرض البحر من أين جاؤوا, و ذاك ما حصل للوندال و الرومان و البيزنطيين الذين بنوا و شيدوا و بعدها تركوا دورهم و قصورهم من ورائهم لأن الأرض ووحدة الصف لفظتهم.
فوحدة الصّف هاته التي يحلم بها غيرنا, جاءت منذ عهد يوغرطة و سيفاكس , أين لم تستطع جموع الروم أن تفّرق هذه الوحدة التي كانت بمثابة إنذار و مناعة لأسلاف الجزائريين منذ الأزل و لا يزال العمل بهذا المنطق ساري المفعول لحد الآن.
فرغم الدراسات التي أجراها علماء الاجتماع الفرنسيين الذين اجتهدوا في شق وحدة الصف من عيار دوتوكفيل و غيره, إلا أنهم فشلوا في تشتيت لم الشمل رغم خوضهم في مسائل الملل و النحل, لكن جواب الجزائريين كان واحد و هو نحن جزائريون أولا و قبل كل شيئ رغم اختلاف المشارب و المذاهب فكلنا من دين المصطفى ملتمس و كلنا للجزائر خدم.
فما لاحظته أنا العبد الضعيف مؤخرا أن الجزائريين على اختلاف مشاربهم عندما يحسون بالخطر يهدد أرضهم و عرضهم و شرفهم يهبون هبة رجل واحد, و لعل حادثة إسقاط طائرة “أيكينجي بيرقدار” مؤخرا جعلت كل جزائري متفاخر بما فعله جيشه و هو ما عزّز أواصر اللحمة بين القوات الأمنية و الهّبة الجماهيرية.
و بعيدا عن هذا الإنجاز العسكري نجد الجزائريين دوما في أحلك الظروف يتخلون عن معطف الأصل و الفصل و الجهة في لحظات المخاض العسير , و حتى في الأفراح, أين شاهدنا بأم أعيننا احتفالات الجزائريين بإنجازات المحاربين.
و هنا قبل أن تخونني الذاكرة و في أحد الأعراس التي حضرتها شخصيا في مدينة وهران مؤخرا, عايشت هذه اللحمة من خلال أداء فرقة قرقابو الشعبية التي استرسل قائدها في قصيدة كان مطلعها ” الله الله يا مولانا ياك حنا جزايريين” و هنا استرسلت النسوة بزغاريد التزكية من طرفهن مثلما كانت تفعل حرائر جبهة التحرير التي كانت تزغرد في منتصف الليل دوما كنوع من الدعم المعنوي للمساجين, و أيضا لعموم الفدائيين كي توقظن عزيمتهم لتكثيف العمليات الفدائية ضد المستعمرين.
فلا يخفى على الجميع أن مخابر بأموال طائلة أسّست في الغرب بتواطؤ من خونة الداخل و الخارج لتشتيت هذه الوحدة العجيبة التي باتت أخطر سلاح يقاوم به الجزائريون, فحقا صدق الحجاج بن يوسف حين وصف أهل المغرب الأوسط لأحد قواده بأنهم قوم إن هادنتهم نصّبوك ملكا عليهم و لكن إن أنت تحايلت عليهم فصلوا رأسك بعد تجريدك من تاجك…أو هكذا قال عنا القائد الأموي الشهير…عمتم مساءا و تصبحون على خير.