أصبح جّل اللاعبين خصوصا مزدوجي الجنسية في وقتنا الراهن يفاضلون بين استدعاء المنتخب الأجنبي و بلادهم الأصلية التي هي الجزائر, اللّهم إلاّ القّلة القليلة التي اختارت تمثيل المحاربين بلا تفكير أو تريث, على وزن الأسطورة رياض محرز و ياسين براهيمي و قبلهم مصطفى دحلب و بن مبروك و غيرهم, إلاّ أن ما قام به لاعبو منتخب الأفالان اتجاه بلادهم و خدمة لقضية وطنهم فاق الخيال, حيث من المستحيل أن تتّكرر هاته التصرفات في زمننا هذا.
و من خلال ذكر منتخب الأفالان لا يحلو الكلام عنه دون ذكر أبرز دعائمه و أيقوناته من عيار المرحوم مصطفى زيتوني, الذي و إن كتبنا عنه المجّلدات فلن نوفي المرحوم حق إكرامه, كيف لا و هو اللاعب الذي رفض عرض المنتخب الوطني الفرنسي و هو يتأهب للالتحاق بمونديال السويد عام 1958, فحب بلاده و رغبته في رؤية علامها يلالي جعلت كل الأحلام تهون إلا حلم تحرر الجزائر من قيود الاستعمار.
و لحد كتابة هذه الأسطر و رغم رحيل الرجل عن عالمنا الفاني للعالم الباقي, بقيت الأسئلة تطرح لدى الصحافة الفرنسية التي لا تزال تتساءل عن سّر إدارة زيتوني و أمثاله من عيار عبد الحميد زوبا و رشيد مخلوفي و قدور بخلوفي و الإخوة سوخان و غيرهم ظهرهم لنداء فرنسا و اختاروا على النقيض تمثيل الألوان الوطنية مقابل تغاضيهم عن الأموال الطائلة التي كانوا يتقاضونها في أنديتهم المحترفة و التي تلعب في أعلى المستويات الأوروبية.
و من خلال روبوتاج أجري للمرحوم مصطفى زيتوني قبيل رحيله, أجاب فيه أنه إن كانت الجزائر في كّفة و أموال الدنيا في كّفة أخرى فإنه لن يتوانى في اختيار الجزائر, فذاك الحب السرمدي يتغلغل في دم كل جزائري حر, فالراحل وضع مسيرته الكروية على المحّك و اختار الجزائر بيتا و ملجأ و منفذ ما دامت أن المسيرة حسبه سيأتي يوما لها و أن تتوقف لكن حب الجزائر سيبقى للأبد.
و الأدهى و الأغرب من ذلك أن اختيار الراحل مصطفى زيتوني تزامن مع رفضه الالتحاق بريال مدريد التي طلبت خدماته رسميا باعتباره مدافعا أنيقا من الطراز الرفيع, حيث كان هذا الأيقونة السّد المنيع لناديه كان ومن بعده نيس, و طالما قطع اللاعب العالمي دي ستيفانو الذي كان أمام زيتوني يصبح بلا فائدة.
نعم يا سادة هذا الجزائري القّح رفض عرض الأبيض الملكي الذي يتمنى لاعبو العالم أن يرضى عنهم رؤساءه لمجرد البقاء على دكّته الاحتياطية, أقول هذا بمرارة لما يحدث في الوقت الراهن, أين أصبح بعض الجزائريين مزدوجي الجنسية يفاضلون بين الالتحاق بالديكة على حساب المحاربين, من أجل الشهرة و كسب المال فقط.
فاختيار زيتوني و البقية المتبقية من ترسانة منتخب جبهة التحرير لتمثيل النخبة الوطنية, ما هو إلا أقصى جواب للمشّككين في أن الجزائري أينما وجد و أيّا ما وصل من مراتب, يبقى دوما وفيا لأمه التي أرضعته حبها و حب شعبها و احترام تضحيات المجاهدين الأبرار من ابنائها…فمهما تغّيرت الأزمنة و الظروف ستلد الجزائر الآلاف من طينة البطل مصطفى زيتوني…فتلك هي طينة بلادنا و طبعها دوما يكون في حب الجزائر هو الغلّاب.