في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، لم تعد أدوات الصراع تقتصر على الوسائل العسكرية أو السياسية الصريحة، بل أصبحت تشمل أيضًا أدوات مالية ومصرفية تُستخدم كوسائل ضغط ضد الدول التي تنتهج سياسات خارجية مستقلة. الجزائر، بصفتها دولة ذات توجهات سيادية واضحة، تواجه اليوم تحديات متزايدة تتعلق بسلامة أصولها الخارجية في ظل ما يُعرف بـ”الابتزاز المالي” الذي تمارسه بعض القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا.
و يشير مقال نُشر مؤخرًا في موقع Algeriepatriotique إلى تصاعد محاولات التأثير على القرارات السيادية الجزائرية عبر التلويح باستخدام أدوات مالية كعقوبات أو تهديدات بتجميد الأصول. ويأتي هذا في سياق ضغوط مشابهة تعرضت لها دول مثل روسيا، ليبيا، إيران وسوريا، حيث تم تجميد أصولها الأجنبية بحجج سياسية أو قانونية، في تجاوز واضح لمبادئ السيادة الوطنية التي يُفترض أن تحكم العلاقات الدولية.
في هذا الإطار، تُتهم مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بالانحياز إلى مصالح القوى الكبرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوجيه سياسات اقتصادية أو فرض برامج إصلاح مشروطة، غالبًا ما تأتي على حساب استقلالية القرار الاقتصادي للدول النامية.
بالنسبة للجزائر، فإن استمرار الاعتماد على البنية المالية الغربية، سواء من حيث إيداع الاحتياطات النقدية أو اعتماد آليات التحويل المالي التقليدية، يشكل ثغرة استراتيجية قابلة للاستغلال من قبل الأطراف المعادية. ويُذكر في هذا السياق تهديدات فرنسية سابقة بتجميد أرصدة تعود إلى مسؤولين جزائريين، ما يعكس قابلية استخدام النظام المصرفي الغربي كأداة عقابية تخدم أهدافًا سياسية.
هذا الواقع يُحتّم على الجزائر ضرورة تبني رؤية استراتيجية جديدة تنطلق من مبدأ تحصين الأصول الوطنية وتفكيك الارتباط البنيوي مع المؤسسات المالية الغربية، دون الإخلال بمتطلبات الانخراط العقلاني في النظام المالي العالمي.
في مواجهة هذه التحديات، يبرز عدد من البدائل التي يمكن أن تشكل منطلقًا لإعادة تشكيل التموضع المالي الخارجي للجزائر، ومنها:
-
تحويل جزء من الاحتياطات نحو الذهب المادي: كخيار أقل عرضة للتجميد أو التحكم السياسي، خاصة في ظل محدودية الولاية القضائية الغربية عليه.
-
الانخراط في أنظمة تحويل مالية موازية: مثل نظامي CIPS (الصيني) وSPFS (الروسي)، كخطوة لتقليص الاعتماد على نظام سويفت المرتبط بالمصالح الغربية.
-
تعزيز التعاون ضمن أطر بديلة: كـ”بنك التنمية الجديد” التابع لمجموعة البريكس، الذي يوفر تمويلًا وتعاونًا خارج دائرة النفوذ الغربي التقليدي.
-
مراجعة القوانين الوطنية المنظمة لتحويل وإيداع الأصول: بما يضمن مرونة أكبر في التعامل مع الأزمات والضغوط الخارجية.
لذا فإن الدفاع عن السيادة الوطنية في العصر الحديث لا يقتصر على حماية الحدود أو السيطرة على الموارد الطبيعية، بل يتطلب أيضًا بناء حصون مالية واقتصادية قادرة على مقاومة الضغوط الخارجية. الجزائر، بحكم موقعها الجيوسياسي وثقلها الإقليمي، مطالبة اليوم بإعادة صياغة استراتيجياتها المالية الخارجية بما يضمن استقلال قرارها الاقتصادي ويحصّن أصولها من الابتزاز والتحكم الأجنبي.
و لهذا فإن تحقيق هذا الهدف لا يتم عبر العزلة أو المواجهة، بل من خلال تطوير شراكات متوازنة، والانفتاح على بدائل واقعية، واعتماد سياسات عقلانية تتماشى مع التغيرات الجارية في موازين القوى العالمية.