مهدي الباز
تُعد القدرات الاستخباراتية الأوكرانية واحدة من أبرز العناصر التي شكّلت محوراً أساسياً في صمود الدولة الأوكرانية وفي قدرتها على التصدي لمختلف العمليات العسكرية الروسية على أراضيها.
وفي هذا الإطار، يمكن تحليل القدرات الاستخبارية الأوكرانية من خلال عدّة مستويات، تشمل البنية المؤسسية، التعاون الدولي، التطورات التكنولوجية، وفعالية الأداء العملي على الأرض.
أولا على مستوى الهيكل المؤسسي, حيث تتولى “هيئة الأمن الأوكرانية” (SBU) الدور المركزي في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب جهاز الاستخبارات العسكرية “مديرية الاستخبارات الرئيسية” (HUR) التابعة لوزارة الدفاع. وقد شهدت هذه الأجهزة إصلاحات متكررة، تهدف إلى تقليص النفوذ الروسي المتغلغل تاريخياً، وتعزيز كفاءة الأداء واعتماده على المعايير الغربية.
ثانياً، تتميز أوكرانيا بتعاون استخباراتي وثيق مع شركائها الغربيين، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و فرنسا. وقد لعبت هذه الشراكات الاستراتيجية و التعاون الاستخبراتي دوراً محورياً في مد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة، خاصة في ما يتعلق بتحركات القوات الروسية، نظم القيادة والسيطرة، وتحديد مواقع الأهداف الاستراتيجية.
ثالثاً، على صعيد امتلاك التكنولوجيا والوسائل الحديثة، استفادت أوكرانيا بشكل كبير من الدعم التقني الغربي في مجالات الاستخبارات الإلكترونية، الأقمار الصناعية، والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، ما أسهم في تعزيز قدراتها على الرصد والاستطلاع، التتبع، والتشويش الإلكتروني وكل ما يخص بالحرب الالكترونية.
كما طوّرت كييف قدرات محلية في مجال الحرب السيبرانية، حيث أظهرت فعالية ملحوظة في شلّ البنى التحتية الرقمية الروسية و القيام بعمليات اختراق واسعة لشبكات القيادة والسيطرة الروسية.
رابعاً، من الناحية العملياتية، أظهرت الاستخبارات الأوكرانية مستوى عالياً من الدقة في تنفيذ عمليات نوعية و حساسة داخل الأراضي الخاضعة للاحتلال الروسي، بما في ذلك اغتيالات نوعية، وتفجيرات مستهدفة لمنشآت عسكرية، أو تعطيل خطوط الإمداد، وهو ما يعكس قدراً كبيراً من التغلغل والاختراق الاستخباراتي العميق.
في المجمل، يمكن القول إن الحرب فرضت على أوكرانيا تسريع وتيرة تطوير قدراتها الاستخباراتية، والتي تحولت من عنصر دفاعي إلى أداة استراتيجية هجومية، متقدمة، وفعالة، متكئة على الدعم الغربي والمرونة العملياتية، والطموح القومي في الحفاظ على الأراضي الأوكرانية التي سعت لرسمها بعد انهيار المنظومة السوفياتية.