في خضم النزاع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، شهد العالم مؤخرًا تطورًا نوعيًا قد يعيد رسم ملامح الصراع، بل وربما يهّدد بزعزعة التوازنات الجيوسياسية العالمية. فقد تعرضت منشآت عسكرية روسية شديدة الحساسية لهجوم بطائرات مسيرة، نُفذ بطريقة معقدة داخل العمق الروسي، فيما يُعد أحد أخطر الاختراقات منذ بداية الحرب. هذه العملية، التي أطلقت عليها أوكرانيا اسم “عملية الشبكة”، تفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل الصراع، واحتمالية انزلاقه إلى مواجهة عالمية أوسع.
و تكمن خطورة الهجوم في أنه استهدف منشآت نووية واستراتيجية، بما في ذلك قواعد تحتوي على قاذفات نووية وغواصات وطائرات عسكرية، ووقعت بعض الضربات في مناطق بعيدة مثل سيبيريا. اللافت في هذا الهجوم أنه لم يُنفذ عبر الحدود الأوكرانية، بل من داخل الأراضي الروسية ذاتها، باستخدام شاحنات مموهة على شكل منازل متنقلة تحمل طائرات مسيرة مخبأة في أسقفها.
هذا التطور يُشير إلى اختراق عميق للمنظومة الأمنية الروسية، ويُظهر أن أوكرانيا أو من يدعمها استطاع تنفيذ عملية منسقة من الداخل، ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة موسكو على حماية منشآتها السيادية من الداخل.
فالهجوم لم يكن مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل عملية ذات بعد استخباراتي معقد، استغرق التخطيط لها أكثر من عام ونصف، بحسب الرواية الأوكرانية الرسمية. القبض على أحد سائقي الشاحنات والعثور على الآخر مشنوقًا في ظروف غامضة، يعكس حجم الغموض والاستخباراتية التي أحاطت بالعملية.
و ثمة مؤشرات قوية على تورط أجهزة استخبارات غربية في التخطيط أو الدعم، ما يثير تساؤلات حول الدور الأمريكي المحتمل في هذه العملية، سواء بهدف ممارسة ضغوط غير مباشرة على موسكو، أو لإجبارها على الدخول في مفاوضات تحت وقع الضربات الاستراتيجية.
و يعد إقرار روسيا بالهجوم، بعد سنوات من تبني سياسة الإنكار، تحولًا لافتًا في سلوكها الإعلامي والعسكري. فهو يعكس حجم الاختراق وفداحة الخسائر، التي قُدرت بأكثر من ملياري دولار.
الأهم من ذلك هو انهيار الثقة في المنظومة الدفاعية الداخلية، الأمر الذي قد يُغري موسكو باتخاذ خطوات انتقامية قاسية لردع المزيد من الهجمات، واستعادة هيبتها الأمنية أمام الداخل والخارج على حد سواء.
و رغم أن روسيا لم ترد بشكل فوري، إلا أن المؤشرات الأولية توحي بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي. ومع استمرار تصعيد الهجمات النوعية داخل أراضيها، قد تجد نفسها مضطرة إلى توسيع رقعة الحرب، سواء داخل أوكرانيا أو عبر أدواتها العسكرية والسياسية في ساحات أخرى.