
حجه إلى بيت الله الحرام كانت بدايته دمشق وكان منجذباً لسيرة وحياة أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي- الصوفي البارز (ت 490ه/1096م)- كان لا يتلقّى أجراً نظير تدريسه، ورفض قبول العطايا والهبات، وسيتأثر به الغزالي في الصفات نفسها، فالغزالي عدّ أموال الحكّام وأعوانهم غير شرعيّة، وكما هو معلوم فإن “الورع” في تاريخ التصوف كان يعني الحذر من التعامل مع الأموال لجهل مصادرها.
أكبر ما يميّز رحلة حجّ الغزالي زيارة قبر الخليل إبراهيم -عليه السّلام- وهناك تعّهد بما يلي:
– ألاّ أقبل مالاً من أيّ سلطان
– ألاّ أذهب إلى سلام أي سلطان
– ألاّ أناظر أحداً أبداً
في رحلته بدأ تدريس “الإحياء” في دمشق، وسميت في الجامع الأموي زاوية باسمه “الزّواية الغزاليّة” وسيكون هذا الجامع فضاء تاريخياً لعلماء كثر درّسوا به من غير الشاميين مثل محي الدين بن عربي والأمير عبدالقادر الجزائري. وفي القدس كان يزور ّقبّة الصّخرة” كل يوم ويخلو فيها إلى نفسه، وكتب هديّة للقدس والمقدسيين رسالة سمّاها: “الرّسالة القدسيّة” والمقصد تدريس عوامّ الناس العقيدة.
في رحلته كلها كان المقصد “محو الجاه ومجاهدة النّفس”, قال وهو ينتقد ذاته وأحواله وينتقل إلى مرحلة جديدة كان الحجّ عاملاً من عوامل هذا الانتقال النفسي والعلمي والفكري: “ثم لا حظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد احدقت بي من كل الجوانب… ثمّ فكّرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى (فيها جامات وسائل التّواصل الاجتماعي والإعجاب بالنّفس) بل باعثُها ومحرّكها طلب الجاه، وانتشار الصّيت، فتيّقنت أنّي على جرفٍ هار، وإنّي قد أشفيت على النّار، إن لم اشتغل بتلافي الأحوال”.