يعتبر جاك فيرجيس أحد الرموز التي ساندت الثورة الجزائرية, حيث بسبب مرافعاته عن الثوار و لعل أبرزهم أيقونة الجهاد الجزائري جميلة بوحيرد, تم التعريف بجهاد الجزائريين خارج الحدود و الذي طالما لعبت فرنسا دور بارزا في التسّتر عليه, لكن فيرجيس عرف كيف يكشف أيضا وسائل التعذيب الوحشية غير الشرعية التي ما انفك المستعمر يمارسها بكل همجية مع المجاهدين بحجة قمع الثورة الجزائرية.
وُلد فيرجيس في ظروف غامضة، حيث تختلف الروايات حول تاريخ ومكان ميلاده الحقيقي. الرواية الرسمية تشير إلى أنه وُلد في 5 مارس 1925 بمدينة أوبون في تايلاند، بينما تؤكد مصادر تاريخية أخرى أنه وُلد في لاوس عام 1924 من أب فرنسي يدعى ريمون فيرجيس وأستاذة فيتنامية تُدعى فام تي كهانغ.
توفيت والدته وهو في سن مبّكرة، فتولى والده تربيته مع شقيقه بول في جزيرة لارينيون، إحدى المستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي. هناك، ظهرت بوادر اهتمامه المبكر بالسياسة، إذ شارك في تجمعات الجبهة الشعبية الفرنسية وهو لم يتجاوز 12 عامًا.
المسار الأكاديمي والانخراط السياسي
بعد حصوله على شهادة البكالوريا في سن السادسة عشرة، التحق بكلية الحقوق، ثم انضم في عام 1943 إلى قوات فرنسا الحرة التي كانت تقاتل ضد الاحتلال النازي. وبعد الحرب، انخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي وتولى عدة مناصب، من بينها عضوية اللجنة التنفيذية للحزب، قبل أن يصبح أمينًا عامًا للاتحاد الدولي للطلبة. هذه التجربة الدولية سمحت له بالاحتكاك بشخصيات بارزة مثل إريش هونيكر وألكسندر شيليبين.
جميلة بوحيرد أجمل و أنبل قضية دافع عنها فيرجيس
التحّول الأهم في مسيرته وقع عند تبنيه لقضايا مناهضة للاستعمار، وعلى رأسها القضية الجزائرية. عُرف فيرجيس في أوساط العالم العربي بعد دفاعه عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، التي اتهمتها فرنسا بتنفيذ عمليات تفجيرية ضد المدنيين خلال الثورة الجزائرية. لم يتمكن من تبرئتها، لكنه نجح في توجيه الرأي العام العالمي نحو انتهاكات التعذيب التي تعرضت لها، ما ساهم في إنقاذها من حكم الإعدام.
لاحقًا، اعتنق الإسلام وتزوج من بوحيرد عام 1965، وأُطلق عليه لقب “المنصور”. كما حصل على الجنسية الجزائرية، وعمل مستشارًا بوزارة الخارجية، ثم أسّس مجلة “الثورة الإفريقية”.
الغياب الغامض (1970–1978)
في عام 1970، اختفى جاك فيرجيس بشكل مفاجئ لمدة ثماني سنوات دون أن يكشف عن مكانه. وقد أثار هذا الغياب جدلًا واسعًا، وظهرت عدة فرضيات أبرزها تواجده رفقة وديع حداد، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هذه الرواية عززها لاحقًا المخرج باربي شرودر في فيلمه الوثائقي “محامي الرعب” (2007)، معتبرًا أن فيرجيس تخلى خلال تلك الفترة عن المحاماة وتفرغ للنشاط النضالي.
العودة إلى الساحة القانونية بمرافعات مثيرة للجدل
عاد فيرجيس إلى باريس عام 1978، ليستأنف عمله كمحامٍ مدني، لكن بشكل أكثر إثارة للجدل. من بين أبرز موكليه بعد عودته:
- صدام حسين وطارق عزيز، خلال محاكمتهما بعد الغزو الأمريكي للعراق.
- كلاوس باربي، الضابط النازي المتهم بجرائم ضد الإنسانية، وهي قضية أثارت انتقادات شديدة بحكم مشاركة فيرجيس سابقًا في مقاومة الاحتلال النازي.
- كارلوس (إلييتش راميريز سانشيز)، المتهم بسلسلة من العمليات المسلحة المؤيدة للقضية الفلسطينية.
- جورج إبراهيم عبد الله، المناضل اللبناني المعتقل منذ عام 1984 في فرنسا.
رغم رحيله بقي فيرجيس رمزا
توفي جاك فيرجيس في باريس يوم 15 أوت 2013 عن عمر ناهز 88 عامًا، في نفس الغرفة التي توفي فيها المفكر الفرنسي فولتير عام 1778.
يُجسد جاك فيرجيس نموذجًا مركبًا لشخصية قانونية تجاوزت الحدود التقليدية للمحاماة، وتحولت إلى فاعل سياسي وفكري متجاوز للأطر الأيديولوجية الجامدة. تاريخه المهني يؤكد أن الدفاع عن المتهمين لا يعني بالضرورة تبني أفعالهم، بل قد يعكس التزامًا مبدئيًا بحرية الدفاع وحق التعبير، حتى في أحلك الظروف وأكثرها جدلًا.
المراجع :
-
Le Monde, Jacques Vergès, avocat des causes perdues, est mort, 2013.
-
Bernard Violet, Vergès, l’avocat de la terreur, Fayard, 1992.
-
Ouest-France, Jacques Vergès : le parcours de l’”avocat du diable”, 2013.
-
L’Humanité, Jacques Vergès : un avocat rouge dans la guerre froide, 2013.
-
Al Jazeera Documentary, جميلة بوحيرد: الأسطورة التي قاومت فرنسا.