تكشف العمليات السيبرانية التي استهدفت إيران عن أبعاد جديدة في الحروب الحديثة، والتي تتجاوز الأدوات العسكرية التقليدية لتشمل شبكات استخبارات رقمية معقدة، تقودها قوى عالمية على رأسها الولايات المتحدة. هذا المشهد يفرض على معظم الدول و رأسها بلادنا الجزائر إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة السيبرانية، وبناء سيادة رقمية تحميها من المخاطر المستجدة.
و في سياق التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط، مثل الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، تتكشّف طبيعة الحروب الجديدة التي باتت تُخاض عبر لوحات المفاتيح، لا عبر ساحات المعارك التقليدية. الهجوم لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل مثّل تجسيدًا لقدرات استخباراتية سيبرانية عالية التنظيم والدّقة، شاركت فيها شبكات التجّسس الغربية بقيادة أمريكية.
في هذا السياق، تطرح هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول قدرة الدول، خاصة الجزائر، على حماية فضائها السيبراني، وصون أمنها الوطني في بيئة دولية تشهد اختراقات ممنهجة ومعقدة.
الهجوم على إيران…الكارت الأحمر
بحسب ما أفاد به الصحفي الفرنسي جاك ماري بورجيه، فإن إيران “مخترقة بشكل واسع من قبل الجواسيس وتخضع لأكثر أشكال الرقابة الإلكترونية تطورًا”، وهو ما يعكس بنية استخباراتية رقمية متشابكة، تديرها وتوظفها الولايات المتحدة وشركاؤها في الغرب.
عناصر التفوق السيبراني الأمريكي:
-
التنصّت على الاتصالات الداخلية عبر أدوات تحليل رقمية متقدمة.
-
الاختراق المنهجي لشبكات القرار السياسي والعسكري، وتحديد مواقع القيادات وتوقيت العمليات.
-
الاعتماد على بنى تحتية دولية مثل شبكة الكابلات البحرية في أوروبا، التي استُخدمت للتجسس على مسؤولين كبار، حسب ما أكدته تسريبات إدوارد سنودن وجوليان أسانج.
-
الاستعانة بشركات خاصة في تنفيذ هجمات اختراق إلكترونية، مثل ما ورد عن شركة في ميلانو تورطت في عمليات تجسس على مسؤولين وفنانين مقابل مبالغ مالية ضخمة.

انعكاسات وتحديات
من بين الانعكاسات و التحديات التي خلفها أسلوب الهجوم الحديث على إيران و الذي جعل جميع الأمم تدق ناقوس الخطر, حيث جعلت نصب أعينها معالجة عدة ملفات لعل أبرزها ما يلي:
-
الاعتماد على منصات وخوادم أجنبية في قطاعات استراتيجية (مثل الاتصالات والتعليم والصحة).
-
غياب شبكة استخبارات سيبرانية متمكنة قادرة على الرصد الاستباقي للهجمات الرقمية.
-
نقص في الكفاءات البشرية الوطنية المدربة في ميادين الأمن السيبراني والهندسة العكسية.
السياسات الجزائرية تجاه الأمن السيبراني
للإشارة أن الجزائر شرعت بعد 2025، في بلورة استراتيجية رقمية ذات أبعاد أمنية واضحة، تتجلى في:
-
إطلاق برامج لتكوين كوادر متخصصة في الأمن السيبراني.
-
الانخراط في شراكات إقليمية ودولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
-
السعي نحو تقليص الاعتماد على الحلول الأجنبية، خصوصًا تلك التي تخضع لقوانين “السحابة القانونية” لدول أجنبية (مثل CLOUD Act الأمريكي).
-
تعزيز البنية التشريعية لتشمل قوانين لحماية المعطيات الشخصية ومكافحة التجسس الرقمي.
للتذكير يظهر ما تعرضت إليه إيران أن الحروب المستقبلية لن تُخاض فقط بالسلاح، بل في الفضاء السيبراني، حيث المعلومات، لا الرصاص، هي من تحسم المعركة. ومن هذا المنطلق، ينبغي على الجزائر أن تُسرّع في بناء “جدار ناري سيادي” يحصّن مؤسساتها، ويضمن أمن مواطنيها في عالم رقمي بالغ التعقيد, الأمر الذي يجعل الاعتماد على التوصيات الآتية اكثر من ضروري…
-
الاستثمار في البحث العلمي السيبراني وتمويل المشاريع الوطنية المستقلة.
-
إنشاء هيئة وطنية للردع والتحقيق في الهجمات السيبرانية.
-
إدماج الأمن الرقمي في المناهج التربوية على مختلف المستويات.
-
دعم الصحافة الاستقصائية التقنية، على غرار تجربة بورجيه، كأداة وعي سيبراني عام.
المراجع
-
Algerie Patriotique (2025). تحقيق حول الهجوم السيبراني على إيران.
-
تصريحات جاك ماري بورجيه، نقلاً عن Algerie Patriotique.
-
تسريبات إدوارد سنودن (2013) وجوليان أسانج (ويكيليكس).
-
تقارير صحف إيطالية حول شركات التحقيق الخاصة.
-
دراسات الأمن السيبراني الصادرة عن الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE).