تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرًا نوعيًا في معادلات الردع والتفوق العسكري، على ضوء دخول صواريخ الهايبرسونيك إلى ساحة التسلح الإقليمي، لا سيما بعد إعلان إيران امتلاكها وإدماجها لهذه التكنولوجيا في قدراتها الهجومية. تتجاوز هذه الصواريخ سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل، وتتميز بقدرة عالية على المناورة، مما يُصعب رصدها واعتراضها بأنظمة الدفاع التقليدية. يمثل هذا التطور مرحلة جديدة في سباق التسلح، قد تُحدث خللًا استراتيجيًا في التوازن القائم، وتفرض تحديات أمنية على القوى الإقليمية والدولية المعنية بأمن الشرق الأوسط.
من المسيرات إلى تكنولوجيا ما فرط-صوتية
في سياق التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، و بعد دخول المسيرات معترك الحرب, برزت صواريخ الهايبرسونيك كعنصر فارق في المنظومة العسكرية الإيرانية. هذا النوع من السلاح، الذي كان إلى وقت قريب حكرًا على القوى الكبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، أصبح اليوم جزءًا من ترسانة دولٍ إقليمية تسعى إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك والردع.
تكنولوجيا الهايبرسونيك تتحدى القبة الحديدية
صواريخ الهايبرسونيك (Hypersonic Missiles) هي صواريخ تتجاوز سرعتها 5 ماخ (حوالي 6174 كم/ساعة)، وتعمل غالبًا ضمن الغلاف الجوي، مع قدرة على تغيير المسار والارتفاع أثناء الطيران. تنقسم هذه الصواريخ إلى نوعين رئيسيين:
-
مركبات انزلاقية (Hypersonic Glide Vehicles – HGVs): تُطلق عبر صواريخ باليستية ثم تنفصل لتكمل المسار بسرعات عالية ضمن الغلاف الجوي.
-
صواريخ كروز هايبرسونيك (Hypersonic Cruise Missiles): تستخدم محركات نفاثة متقدمة (مثل السكورامج) وتطير بسرعة ثابتة في طبقات الجو المنخفضة.
الفرق بين الصواريخ الباليستية والتقنيات الهايبرسونيك
المعيار | الصواريخ الباليستية التقليدية | صواريخ الهايبرسونيك |
---|---|---|
السرعة | تصل إلى سرعات عالية خارج الغلاف الجوي | تحافظ على السرعة العالية داخل الغلاف الجوي |
المسار | مسار محدد يسهل التنبؤ به | مسار متغير ومناورات مفاجئة |
الارتفاع | مسارات عالية خارج الغلاف الجوي | ارتفاعات منخفضة ومتوسطة |
قابلية الاعتراض | قابلة للرصد والاعتراض نسبيًا | صعبة الرصد والاعتراض بسبب المناورة والسرعة |
تجعل هذه الخصائص من الصواريخ الهايبرسونيك تحديًا غير مسبوق للأنظمة الدفاعية مثل “القبة الحديدية” الإسرائيلية أو “باتريوت” الأمريكية.
إيران وتكنولوجيا الهايبرسونيك…من التصنيع إلى الاستخدام
في يونيو 2023، أعلنت طهران عن تطوير أول صاروخ هايبرسونيك محلي الصنع، “فتاح-1″، بمدى يصل إلى 1400 كلم وسرعة تقدر بـ 13-15 ماخ. بعد أشهر، طورت النسخة المحسنة “فتاح-2″، المزودة برأس انزلاقي ذكي يُعزز القدرة على المناورة والاختراق.
في أكتوبر 2024، استخدمت إيران هذه الصواريخ ضمن هجمات مكثفة على أهداف عسكرية إسرائيلية، تضمنت أكثر من 200 صاروخ، وأظهرت – رغم محدودية الخسائر – قدرة على تجاوز بعض أنظمة الدفاع. مثل هذا الهجوم تحولًا نوعيًا في قدرة إيران على توجيه ضربات دقيقة وعالية السرعة تتخطى الردع التقليدي.
الأبعاد الجيوسياسية والعسكرية
إدخال صواريخ الهايبرسونيك إلى ميدان الصراع في الشرق الأوسط يحمل تداعيات كبيرة:
-
تغيير قواعد الاشتباك: بفضل سرعة الرد وضيق نافذة القرار الدفاعي.
-
إضعاف الردع التقليدي: أنظمة الدفاع الإسرائيلية، رغم تطورها، لم تُصمم لاعتراض أهداف عالية المناورة بهذه السرعة.
-
تحفيز سباق تسلح إقليمي: يُحتمل أن تدفع هذه التطورات دولًا مثل السعودية وتركيا إلى تسريع تطوير أو شراء تقنيات مضادة، أو حتى دخول نادي الهايبرسونيك.
تحديات مستقبلية
رغم ما حققته إيران من تقدم تقني، تبقى أمامها تحديات تشمل:
-
تعقيد الإنتاج الصناعي والتقني لهذه الصواريخ، خصوصًا في ظل العقوبات الغربية.
-
محدودية الاختبار في بيئة قتالية حقيقية، باستثناء هجمات أكتوبر 2024.
-
إمكانية استهداف البنية التحتية للإنتاج من قبل الخصوم، كما فعلت إسرائيل سابقًا مع المنشآت النووية.
و من خلال التعّمق في شروحات هذا السلاح الفتاك نرى أن صواريخ الهايبرسونيك ليست مجرد تطور في مجال التسليح، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا قد يُغير معالم الصراعات المستقبلية في الشرق الأوسط. ما بين الرغبة في الردع وبين مخاطر التصعيد، تظل هذه الصواريخ عنوانًا لمرحلة جديدة من سباق تسلح عالي التقنية، يصعب ضبطه، ويزيد من هشاشة التوازن الإقليمي.
هوامش ومراجع
-
Freedman, Lawrence. The Future of War: A History. PublicAffairs, 2017.
-
Postol, Theodore A. “Hypersonic Missiles: A Technological Challenge to Deterrence?” Bulletin of the Atomic Scientists, 2022.
-
موقع Janes Defence Weekly: “Iran’s Fattah-2: Assessment of Capabilities”, نوفمبر 2023.
-
تقرير قناة الجزيرة، “إيران تستخدم صواريخ فتاح في هجوم على قواعد إسرائيلية”، أكتوبر 2024.