من أراد أن يقرأ تاريخ الجزائر الحديث فعليه الإطلاع على قصص من قضوا لكي يحيا بلد الشهداء, فقصص كفاحهم و حبهم لوطنهم الأم فاقت كل التوقعات و التخّيلات, و عجز حتى الكتاب و الشعراء أن يترجموها للوحات أدبية, اللّهم إلا من استحضر تلك المشاعر و الأحاسيس التي انقاذ لها الأبطال طواعية نحو مذبح الحرية, و لعل أبرز هؤلاء الأدباء شاعر الثورة الجزائرية و صاحب الإلياذة المظّفرة الراحل “مفدي زكريا”, الذي استحضر تلك اللحظات الخالدات لتسليم أحمد زبانة روحه فداءا لوطنه, متحديا المستعمر الجبان حتى و هو تحت شفرة المقصلة التي أبت أن تأخذ روحه لثلاث مرّات متتاليات.
نعم إنه أحمد زبانة الذي إن لم يكن شهيدا لكتبت قصته مع عظماء العالم من أمثال خالد بن الوليد, و الإسكندر الأكبر و محمد الفاتح, و ينفع أيضا شخصية في الميثولوجيا الإغريقية لهيرودوس أو أحد شخصيات الكويديا الإلهية لكاتبها الإيطالي دانتي.
فما فعله أحمد زبانة يفوق الخيال, فالرجل تحّدى فرنسا قاضبة على مرحلتين, فالأولى من خلال الكفاح المسّلح و العمليات الفدائية النوعية, حيث دوخ رجال المباحث و المخابرات الفرنسيين الذين فشلوا في تقّفي أثره, و كان الجذوة الأولى التي اشتعلت من خلالها الثورة الجزائرية في نواحي الغرب الجزائري, فلعب الشهيد دور رجل المخابرات و كان صاحب كلمة الفصل في تحييد الخونة و أعداء الوطن, و عمل على إيصال كلمة الثورة إلى أحضان الجماهير تماما كما رضي لها شهيدها من نفس رعيله العربي بن مهيدي.
و هنا من خلال مقالنا اليوم لن تعرج على ذكرى استشهاد أحمد زبانة التي تصادف تاريخ اليوم من أجل المرور عليها مرور الكرام فقط, بل عبر استحضار ذاكرة الرجل نكون نستحضر تلك الروح الزكّية الطاهرة النقية التي تركت طواعية وراءها أحلام شباب لمسيرة مهنية مشرفة, و حلم الشهرة الكروية التي كانت تسعى وراءه من خلال تقّمصه ألوان جمعية وهران, و الأكثر من ذلك حلم أم مكلومة حلمت بأن ترى إبنها عريسا في ليلة دخلته, و تمّنت أن تعانق أبناءا و بنات من صلبه, و إذ بها يصل إلى مسامعها خبر دخوله عريسا في جنّات الخلد بمحض إرادته.
نعم يا سيدات و يا سادة فإنه كلما ذكر اسم “أحمد زبانة”, إلا و تجد جموع الجزائريين خصوصا من عايشوا حقبته من عيار أجدادنا و جداتنا و أبائنا و أمهاتنا ينحنون إجلالا لعظمة تضحيته, و لا يمكنك ان تتجاهل بريق الدمع المقّدس في عيونهم, فمثل زبانة عجزت النسوة أن تلدن مثله راهنا, فالرجل أهدى رقبته لكي نحيا نحن أحرار, و تحّدى الإنبريالية الاستعمارية و على رأسها الحلف الأطلسي الذي دانت إليه رقاب غيره, و راح في مسار مذبح بربروس شامخا رافعا رأسه و منتصبا في قامته, و لسان حاله يلهث بذكر الله و أن تحيا الجزائر…و أعذروني لن أستطيع ذكر المزيد من مناقب الرجل و أكتفي بهذا القدر في مقالي المتواضع هذا …فالله يرحم الشهداء و تحيا الجزائر حرة مستقلة.