تعتبر من بين الملاحم التي يفتخر كل جزائري بذكرها فهي من المعارك الشرسة التي قادها الأمير عبد القادر ضد المستدمر الفرنسي, كيف لا و لا يزال صداها يزلزل مقاييس الخطط العسكرية, أين لا تزال تدرس خطة الأمير في كبريات الجامعات العسكرية من عيار سان سير.
و من المتعارف عليه حتى من لدن المستعمر نفسه أن الأمير عبد القادر أبدع في هاته المعركة التي حيّر من خلالها الصديق قبل العدو, تلك المعركة التي قادها البواسل و التي شهدتها أرض الجزائر ذات يوم من الثامن و العشرين من شهر جوان عام 1835.
يبرز هذا النصر التاريخي الذي سجله الأمير عبد القادر الجزائري كواحد من أشهر أحداث مقاومة الاحتلال الفرنسي. و خلال هذا المقال سنقوم تسليط الضوء على خلفية وأهمية هذه المعركة الفاصلة.
فلقد جاءت كرّد على قيادة الجنرال الفرنسي كاميل ألفونس تريزيل حملة عسكرية من وهران نحو معسكر الأمير بهدف بسط النفوذ الفرنسي في الغرب الجزائري، بقوّة اقتُدرت بين 2,400 و2,800 جندي وفق المصادر الفرنسية.
على الجانب الجزائري، كان الأمير عبد القادر، وهو في السادسة والعشرين من عمره فقط، قد حشد نحو 8,000 – 12,000 مقاتل من الفرسان والمشاة.
وقع اضطراب في الجيش الفرنسي أثناء التراجع صوب منحدرات وادي المقطع، حيث استدرجهم الأمير إلى مصيدة مائية أعاقت تحركهم.
و خلال ذات المعركة نفّذ المجاهدون الجزائريون هجومًا خاطفًا من كل الجوانب، فوقع الفرنسيون في فوضى كبيرة وفقدوا توازنهم التكتيكي.
أدّت المعركة لهزيمة مدوية للفرنسيين، إذ قُتل ما بين 210 إلى نحو 500 جندي فرنسي حسب الروايات المختلفة, انسحب تريزيل، وتسبّب ذلك بإقالته وتعديل الاستراتيجية الفرنسية اتجاه الاحتلال.ا
اكتسب الأمير خلال هذا النصر المبين مكانة رمزية واعترافًا بدولته ومشروعيته، حيث كانت نقطة انطلاق نحو انتصارات لاحقة مثل معاهدة تافنة عام 1837.
فمعركة المقطع تعتبر رمزًا ل”استرجاع الكرامة”و اعتبرت مثال يقتدى بها من خلال الإرادة الشعبية الجزائرية في مقاومة الاحتلال, و مثلت ذات المعركة في فرنسا، صدمة أدت إلى مراجعة طريقة التعامل مع المقاومة المحليّة.
في الوعي الجزائري الحديث، تمثل المعركة جسرًا بين مقاومة الأمير عبد القادر وقيادته الروحية وصولاً إلى الثورة التحريرية الكبرى بعد قرن ونصف.
و نحن إذ بنا نحتفل في الذكرى 190 على هذا النصر المؤّزر اليوم وعلى مسافة قرابة قرنين من الزمان، تبقى معركة المقطع محطة مضيئة في ذاكرة الجزائريين, ليس لأنها وضعت رجلًا في الواجهة وحده، بل لأنها رفعت راية الأمل لوحدة الشعب أنه بإمكان هزيمة الجيوش الاستعمارية بالعزيمة والتكتيك الذكي.
معركة المقطع ليست مجرد نزال انتهى وقعه في تلك الفترة الفارقة، بل هي ملحمة لاستعادة الكرامة وبداية الانطلاق نحو استقلال الجزائر. وقصة الأمير عبد القادر في تلك المعركة تذّكرنا بأن الإرادة، حينما تُدار بفطنة وشجاعة، يمكنها صنع النصر وتحويل مجرى التاريخ.