ما قل ودل

الملتقى الدولي حول جرائم الاستعمار في التاريخ الإنساني…من جراح الذاكرة الجماعية إلى استحقاق العدالة التاريخية

شارك المقال

أسدل الستار اليوم بالجزائر العاصمة الملتقى الدولي حول “جرائم الاستعمار في التاريخ الإنساني: من جراح الذاكرة الجماعية إلى استحقاق العدالة التاريخية”‑ تحت رعاية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون‑ والذي خرج بجملة من التوصيات الرامية إلى ترسيخ العدالة الجيوسياسية ومناهضة بقايا الاستعمار الجديد.

و أجمع الخبراء المشاركون في الملتقى أن الاستعمار يعتبر أحد أكثر الظواهر التاريخية أثراً في تركيبة الدول المستعمَرة، حيث خلّف إرثاً من الأضرار المادية والمعنوية والثقافية. وبالرغم من مرور عقود على حركات التحرر، فإنّ “جراح الذاكرة” ما تزال حاضرة بقوة لدى الشعوب التي عانت من هذا البعبع، وهو ما يدفع إلى إعادة طرح سؤال العدالة التاريخية كاستحقاق لا يسقط بالتقادم (Fanon، 1961؛ El‑Kenz، 2020). في هذا السياق، جاء الملتقى الدولي الذي احتضنته الجزائر ليوفّر فضاءً متعدد التخصصات لمناقشة جرائم الاستعمار وصياغة مقاربات عملية لتحقيق الإنصاف التاريخي.

و من خلال الجلسات الحوارية و كذا المداخلات النوعية التي تقدم بها الخبراء و المحللون و المؤرخون حول موضوع الندوة انبثقت العديد من التوصيات جاءت على النحو الىتي:

تأسيس منتدى دولي لمناهضة الاستعمار ومقرّه الجزائر

    • دلالة الاختيار الجغرافي: تكريس الجزائر كعاصمة رمزية للنضال ضد الاستعمار، نظراً لتجربتها الثورية ومكانتها في حركة عدم الانحياز.
    • الأهداف المعلَنة: إنتاج أبحاث استراتيجية، تكوين نخب شبابية، وإطلاق مبادرات قانونية دولية لمواجهة «بقايا الاستعمار الجديد».
    • تحدّيات محتملة: ضمان التمويل المستدام، تنسيق الجهود بين الأقاليم الثلاثة (إفريقيا‑آسيا‑أمريكا اللاتينية)، وبلورة آليات تنفيذية فعّالة.

وضع ميثاق دولي للعدالة التاريخية

      • يضع الميثاق جرائم الاستعمار في مصاف الجرائم الدولية الدائمة غير القابلة للتقادم، بما يتماشى مع المادة 1 من اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (1968).
      • البعد القانوني: يمنح الميثاق أساساً للملاحقة القضائية ويتيح إمكانية الولاية القضائية العالمية، كما تدعو إليه التوصيات بمنح القضاء الجزائري اختصاصاً عالمياً.
      • البعد السياسي: يوفّر قاعدة تفاوضية مع المنظمات الأممية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي)، ما قد يعزّز موقع دول الجنوب في المنظومة الدولية.

تشكيل وحدة البحث لتوثيق جرائم الاستعمار

        • الأهمية العلمية: سدّ فجوة معرفية عبر توثيق متعدد التخصصات (تاريخ، أنثروبولوجيا، قانون، دراسات بيئية).
        • المخرجات المتوقّعة: قواعد بيانات رقمية مفتوحة، أرشيفات شهادات حيّة، وخريطة تفاعلية للانتهاكات الاستعمارية.

إيلاء الاهتمام بالوسائط الإلكترونية والسردية التاريخية

          • الاستفادة من الإعلام الرقمي لإعادة تركيب السردية الوطنية ومواجهة «التاريخ الرسمي» الذي فرضته القوى الاستعمارية.
          • تمثّل هذه الخطوة امتداداً لحروب الجيل الخامس، حيث تتحوّل الذاكرة إلى ساحة صراع سيبراني .

الاعتراف بالأضرار البيئية للتفجيرات النووية

            • إدراجها ضمن الأجندة المناخية العالمية يتقاطع مع مفهوم العدالة المناخية، ويمنح الدول المتضررة أداة جديدة للمطالبة بالتعويض.
            • يشكّل ذلك مدخلاً لمساءلة المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة (Common but Differentiated Responsibilities) في القانون البيئي الدولي.

للتذكير أن  الملتقى الدولي برهن، بمخرجاته الطموحة، على إرادة جماعية لإعادة صياغة العلاقات الدولية على أساس ذاكرة عادلة ومشتركة. إنّ توصية إنشاء منتدى دولي مقره الجزائر تُعدّ تجسيداً عملياً لدبلوماسية الذاكرة التي ترتكز عليها السياسة الخارجية الجزائرية، كما أنّ ميثاق العدالة التاريخية المقترح قد يشكّل سابقة قانونية تُمكن الشعوب من مقاضاة القوى الاستعمارية القديمة على جرائمها. لتحقيق هذه الأهداف، يبقى الرهان على البناء المؤسسي الصلب، والتحالفات العابرة للأقاليم، وتسخير التكنولوجيا الرقمية لخدمة السردية التاريخية.

 

المصدر: وأج -بتصرف-

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram