تشهد إفريقيا تحولات جيو لغوية متسارعة تؤثر بشكل عميق على واقع اللغات وسياساتها. فبعد حقبة الاستعمار التي فرضت لغات أوروبية كلغات رسمية، تتجه بعض الدول الإفريقية نحو إعادة النظر في سياساتها اللغوية، سعيا لتعزيز مكانة اللغات المحلية والتعبير عن الهوية الوطنية.
تتنوع هذه التحولات بين تقلي نفوذ اللغة الفرنسية في بعض الدول، وتوجه نحو اللغة الإنجليزية في دول أخرى، وتغيرات لغوية داخلية في دول مثل السنغال ومالي والنيجر، هذه الديناميكيات اللغوية المتغيرة تستدعي دراسة متأنية للسياسات اللغوية والتخطيط اللغوي في القارة، بهدف فهم التحديات والفرص المتاحة.
في المقابل، تتيح هذه التغيرات الجيو لغوية فرصا لتعزيز الهوية الوطنية والتنمية الاقتصادية والثقافية، من خلال استخدام اللغات المحلية في التعليم والإعلام والإدارة، كما يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورا هاما في تطوير اللغات المحلية وتسهيل استخدامها.
لأجل هذا وغيره؛ فإن فهم هذه التغيرات الجيولغوية وتحليل تأثيرها على السياسات اللغوية والتخطيط اللغوي في إفريقيا، هو أمر بالغ الأهمية لصياغة سياسات لغوية فعالة تخدم مصالح الشعوب الإفريقية وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة في القارة لذا أمكننا اعتبار هذا الملتقى؛ كمحاولة للكشف عن مستجدات هذا الموضوع والتحديات التي تعترض الباحثين فيه.
وتمثلت إشكالية الملتقى في الوقوف على التحديات التي تواجه إفريقيا في هذا السياق، وكيفية تحقيق التوازن بين تعزيز اللغات المحلية والحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي، وكيفية التعامل مع التنوع اللغوي الكبير في القارة، وكيفية توفير الموارد اللازمة تطوير اللغات المحلية واستخدامها في مختلف المجالات.
وكانت محاور الملتقى كالآتي:
- السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي: المفاهيم، الأطر النظرية والآليات التطبيقية
- التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية:حماية الهوية اللغوية في ظل العولمة والتحول الرقمي والتكنولوجي في الدول الإفريقية
- قضايا التخطيط والسياسة اللغوية(دراسات التعريب، التنوع اللغوي، الازدواج اللغوي…إلخ)
- دور السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي في ضبط المناهج التعليمية والبرامج التنموية للبلدان الإفريقية
- طرق تطوير التخطيط اللغوي وتحديثها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا ولغويا
- تـأثر علم التخطيط اللغوي بمعطيات العلوم المعرفية المتعددة (علم الاجتماع،علم الاقتصاد، والعلوم السياسية،والعلوم اللغوية)
- تحليل واقع السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي في إفريقيا ودوره في التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
حيث شارك في هذا الملتقى العلمي العديد من الباحثين والأساتذة من داخل الوطن وخارجه، وكان عدد المداخلات حوالي 55 مداخلة علمية؛ أي حوالي أكثر من 20 مؤسسة جامعية ومراكز بحث وطنية وأخرى دولية.
شهد هذا الوهج العلمي أجواء علمية ثرية اتسمت بالنقاش الجاد والتبادل الفكري البناء بين الباحثين والأكاديميين من داخل وخارج الوطن .
و عبر المشاركون عن ارتياحهم لمستوى التنظيم وجودة المداخلات التي تناولت قضايا محورية تتعلق بتعدد اللغات في القارة، ودور السياسات اللغوية في تعزيز الهوية الوطنية والتنمية الثقافية. كما ثمن الحاضرون هذا الفضاء العلمي الذي أتاح فرصة للتفكير المشترك في سبل النهوض باللغات الإفريقية وتفعيلها في التعليم والإدارة والإعلام.
توصيات ومقترحات
إنشاء هيئة علمية افريقية تتظافر فيها جهود اللغوين والمبرمجين لبناء خطة تنموية مبنية على تخطيط علمي .
تشجيع اعمال المبرمجين الشباب وتوجيهها لخدمة السياسات اللغوية الافريقية
تعزيز التعاون الإفريقي في مجال السياسات اللغوية بإنشاء شبكة إفريقية للتخطيط اللغوي تضم باحثين ومؤسسات لغوية من مختلف الدول لتبادل الخبرات والممارسات الناجحة.
الاعتراف بالتعدد اللغوي بوصفه ثروة لا عائقًا بحيث توجه السياسات اللغوية إلى استثمار التنوع اللغوي في التعليم والإعلام بدل محاولات الإقصاء أو التعريب القسري دون تأهيل علمي.
توحيد المصطلحات اللغوية والتخطيطية واقتراح إنشاء مركز إفريقي للمصطلحات اللغوية لضبط المفاهيم الخاصة بالتخطيط اللغوي والسياسة اللغوية في السياقات الإفريقية.
إدماج اللغات الوطنية إلى جانب العربية واللغات الأجنبية والدعوة إلى تطوير مناهج مزدوجة اللغة تراعي الخصوصية الثقافية لكل بلد، مع تعزيز تعليم اللغة العربية كلغة علم ودين وهوية.
اعتماد تخطيط لغوي أكثر وعيا بالقدرات التعليمية للمتعلم والاهتمام بتمكين المتعلم بالاندماج الفعلي في محيطه، بعيدا عن الانماط اللغوية الجامدة
تأهيل الكوادر اللغوية والتربوية بتنظيم برامج تكوين مستمر للمدرسين والمفتشين في مجالات التخطيط اللغوي، اللسانيات التطبيقية، والسياسة اللغوية.
إدخال مادة “السياسة اللغوية” في برامج الدراسات العليالتكوين جيل من الباحثين القادرين على وضع وتنفيذ استراتيجيات لغوية فعّالة في بلدانهم.
تشجيع البحوث الميدانية ودعم دراسات ميدانية حول العلاقة بين اللغة والتنمية الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الإفريقية متعددة اللغات.
رقمنة البحث اللغوي الإفريقي بإنشاء منصّات إلكترونية تضم الأطروحات، المقالات، والبيانات اللغوية الإفريقية لتسهيل تبادل المعرفة بين الجامعات.
الانفتاح على المقاربات الحديثة في اللسانيات الاجتماعية وتبنّي مناهج السوسيولسانيات، الإيكولوجيا اللغوية، والتخطيط اللغوي المقارن لتحليل السياسات اللغوية الإفريقية.
إحياء الدور الثقافي للغة العربية في إفريقيا وذلك بدعم الزوايا والمدارس القرآنية التي حافظت على العربية كلغة دين وثقافة، وتشجيع الشراكات مع المؤسسات العربية والإسلامية.
اعتماد اللغة كأداة للوحدة لا للفرقة والتأكيد على أن السياسات اللغوية ينبغي أن تُبنى على مبدأ العدالة اللغوية والاعتراف بالهويات المتعددة.
تفعيل البعثات العلمية على المستوى الافريقي. وفتح افاق البحث العلمي الذي يتناول سبل تطزير السياسات اللغوية على المستوى الافريقي.
استغلال حضوة الفرق الصوفية والتنسيق معها لتمكينها من نشرتعاليم الدين القويم و اللغة العربية.
الحرص كل الحرص على ايلاء الاهتمام الكافي للمخطوطات الادبية والعلمية التي تزخر بها البقاع الافريقية . وذلك عبر حفظها من التلف في المكتبات التي توفر لها اسباب البقاء وكذا عبر رقمتها وتوفيرالنسخ الرقمية لطلبة العلم والباحثين.
تشجيع الحكومات على تبني سياسات لغوية شاملةتشمل مجالات التعليم، الإدارة، الإعلام، والقضاء، بما يضمن المساواة بين اللغات المحلية والعربية واللغات الأجنبية.
الحرص على جمع مقالات الملتقى وافكاره وتوصياته في كتاب جماعي يعمم الفائدة.