ما قل ودل

ابن خلدون والجزائريون…أكْرَمَه الأجدادُ ونسِيهُ الأحفَادُ!

شارك المقال

ابن خلدون تتسمّى به جامعات ومؤسسات ومساجِد في الجزائر، وكان لبعض الوزراء السّابقين والولاة الفضل في الثمانينات بتنظيم مؤتمر دولي كبير حضره كبار المختصين في ابن خلدون، لكن رغم الجهد العلمي المتميز لعبد المجيد مزيان بحثاً وتنقيباً وجاك بيرك والمهدي البوعبدلي وعبدالله شريط وغيرهم، لم نصل إلى بحوث جزائرية تضاهي ما يصدر مغاربيا وعربيا وغربياً كل سنة عن مقدمته وتحفته التاريخية (العبر).

كما أهملنا خلوته العلمية ببني سلامة (تيهرت) ولو كانت في دولة أخرى لصنعوا منها مجداً ومتحفا عالمياً وكان الزوار بالآلاف، للأسف ثرواتنا الرمزّية خام وتحتاج إلى الاستثمار والاستغلال والحياة من جديد.

بجاية…التدريس والسّلطة

في بجاية (1352-1354)، كان شاباً غضّاً طموحاً تعلّم وعلّم، وقبل ذلك كان والده والفيلسوف عالم المعقول الآبلي هو الذي صنع له المنهج والدُّربة على النقد، تولّى بها منصب الحاجب، ولكن سقوط زميله الحاكم الحفصي وصعود غريمه الذي هدد بقتله هرب نحو بسكرة.

بسكرة…ضيافة ومصاهرة

عاش ابن خلدون هارباً ولاجئاً دوماً كانت تعصف به السياسة وتقلبات السلطة وجموح حصان طموحه السلطوي، فكل رحلاته كانت خوفاً من سجن أو هرباً من ضيق ومؤامرات أو من تصفية جسدية، وكلما ضاق به الحال انتقل إلى مكان من أمكنة الجزائر، ويعود إليها بعد فاس أو الأندلس. كانت بسكرة بنخيلها وتسامح أهلها وضيافتهم المكان الذي عاش فيها مرتين، شتاء سنة 1352م، والثانية خمس سنوات في عزّ إمارة يوسف بن مزني “إمارة الزاب”، هرب من بجاية التي تولّى بها “صاحب الحجابة” ما يسمّى اليوم “الوزير الأول”، فكان البسكريون مواسة له وزوجوه امرأة من قرية حباس (طولقة)، وقيل زوجته وأخوال أولاده من قسنطينة. وفي جولاته كان مرّ بتبسّة وتربطه علاقات جيدة وخصوصاً قبيلة الذواودة ولذلك طلب منه الأمير الزياني التوسط له عندهم لربح ولائهم.

ذل في فاس وعِزٌّ في تلمسان

لجأ إلى تلمسان سنة 1354، بعد 21 شهراً قضاه في السّجن بفاس بعد تولي مناصب وقربه من السلطان أبي عنان ولكن انقلب عليه المرينيون، واحتضنه أبو حمو موسى الزياني وعينه “كاتب السر” “مدير الديوان” أو “الكاتب الخاص”، ورحل منها ثم عاد عبر مرفأ هنين ولحقت به أسرته التي عانت الترحال وكانت نهايتها مأساوية في غرق بالبحر حين كان قاضياً بالقاهرة، ثم خرج من تلمسان قاصداً الذواودة ولكنه تخلّى عن المهمة وفضل الاعتكاف للعلم والعزلة.

الخلوة العلمية في تيهرت “لقوني بالتّحفِّي (الحفاوة) والكرامة”

في بني سلامة (تاغزوت) عند أولاد عريف التوجينيين البربر سوف يكون الإبداع التاريخي، الكتاب الفاتح نبوّة العقل والتأمل وخبرة التجارب “المقدّمة”، كانت ضيافة الفرنديين التيهرتيين عملاً تاريخياً في توفير مناخ للإبداع، وتدخلوا عند السلطان الزياني للاعتذار عن المهمة التي كلّفه بها والاحتفاظ به عندهم مكرّماً (من 1374م إلى 1378) وإرسال أهله إلى قلعة بني سلامة، تلك الأرض التي ستشهد بناء عاصمة الأمير عبدالقادر وقبلها دولة الرستميين وإمارة بني توجين وفي غابر الزمن آثار من الحضارة اليوم لا نوليها اهتماماً رسميا وسياحيا وشعبياً.
Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram