منذ اندلاع الثورة التحريرية في الأول من نوفمبر 1954، أدرك قادة جبهة التحرير الوطني الأهمية الاستراتيجية للإعلام في معركة التحرير، باعتباره سلاحًا مكملاً للبندقية. فقد كان الهدف من العمل الإعلامي آنذاك هو نقل صوت الشعب الجزائري إلى الداخل والخارج، وكشف جرائم الاستعمار الفرنسي وتفنيد دعايته المضلّلة التي حاولت تصوير الثورة كـ”حركة تمرد محدودة”.
الإعلام الثوري كأداة تعبئة وتنوير
ساهم الإعلام الثوري، سواء المكتوب أو الإذاعي أو الشفوي، في توحيد الصفوف وبث روح المقاومة بين الجزائريين. فقد تولّت النشرات الداخلية والجرائد السرية مثل المجاهد، التي أنشئت سنة 1956، مهمة توثيق العمليات العسكرية وتوعية المواطنين بأهداف الثورة ومبادئها السياسية. كما كانت الإذاعة السرية لـ”صوت الجزائر المكافحة” تبث من تونس والمغرب، لتصل إلى كل بيت جزائري رغم ملاحقة سلطات الاستعمار.
من السرية إلى التنظيم
تطور الإعلام الثوري تدريجياً من مبادرات محدودة إلى جهاز منظم تابع لجبهة التحرير الوطني، يعتمد على شبكة من المراسلين والمطابع السرية. وقد شكّل قسم الإعلام والاتصال داخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (1958) نقلة نوعية، إذ تولّى تنسيق العمل الإعلامي على المستويين الوطني والدولي، مع إصدار بيانات رسمية بلغات متعددة لوسائل الإعلام الأجنبية.
البعد الدولي للإعلام الثوري
لم يقتصر الإعلام الجزائري أثناء الثورة على الداخل فقط، بل لعب دورًا محوريًا في كسب التعاطف الدولي. فقد شارك الصحفيون والمناضلون في نقل القضية الجزائرية إلى الصحافة العالمية، خاصة في القاهرة وباريس وتونس، مما ساعد على عزل فرنسا دبلوماسيًا وإحراجها أمام الرأي العام الدولي.
إرث إعلامي بعد الاستقلال
شكّل الإعلام الثوري مدرسة حقيقية في الالتزام الوطني والاحتراف السياسي، إذ أسس لمفهوم “الإعلام المقاوم” الذي استمر بعد الاستقلال سنة 1962. فقد حمل الصحفيون الذين نشأوا في ظل الثورة روحها إلى مؤسسات الإعلام الوطني الجديدة، ما جعل من الصحافة الجزائرية امتدادًا لصوت المجاهدين، ولكن بأدوات سلمية تهدف إلى بناء الدولة ونشر الوعي.
الإعلام الوطني كان سيروما لثورة التحرير
لقد كان الإعلام خلال الثورة الجزائرية أداة نضال بقدر ما كانت البندقية وسيلة تحرير. ومن خلال تطوره من النشرات السرية إلى التنظيم الرسمي والدولي، ساهم الإعلام في ترسيخ الهوية الوطنية وكسب المعركة السياسية والدبلوماسية، ليصبح أحد أعمدة النصر في معركة التحرير الوطني.