الجزء الثاني
بعد يومين من التقلاش و التفخفيخ في فندق “هوليداي إين” تحت رعاية فرنسا و الطاكسي خالصة, دّق أحد عمال لوتيل على صديقنا الوهراني و سّلمه استدعاءا رسميا للمثول أمام محكمة نانتير, يوم الغذ من ذلك, و أثناء تناوله وجبة العشاء وجد وجها مألوفا ينظر إليه و على طريقة ولاد البلاد بادله التحمار, حتى طلب منه أن ينضم إليه في قعدته على وزن ” من وهران لمارساي دلّالي…الغربة ما دارت فينا”.
و لما اقترب منه الوهراني تفاجأ أن ذات الوجه ما كان إلا كمال داود الذي بات يلّقب بدافيد, مخافة أن يغدر به على مقاس مقولة “العربي عربي و لو كان الكولونيل بن داود”, فلما مّد يده لمصافحة حبيبنا تحّجج ولد بلادنا الوهراني بأنه لن يقدر مبادلته نفس الحركة بحجة أن يده مصابة بمتلازمة اسمها “حب الوطن”, و أقصى ما يخافه دافيد هو أن يتكّسر كل ما بناه, إن أصيب مجّددا بذات المتلازمة التي بفضلها أصبح كاتبا, لكن تنّكره للمتلازمة التي درس و عالج من خلالها بالمجّان, و غير ذلك من الامتيازات جعلته يتخّلى عن كل ذلك بجّرة قلم….و أسفاه.
المهم أن قعدة دافيد لم تكن اعتباطية أو عفوية بل كان مخطط لها, فبداية الاستدراج كانت من دافيد على شاكلة “ماذا فعل لك مانو كي تقع فيه مثلما وقعت عليه في جريدتك المحترمة”, فأجابه الوهراني “إسمع بادئ الأمر أنا أتعّجب دفاعك عن هذا المانو علما أنه ما يجيك والو”, فضحك دافيد ضحكة صفراء مواصلا “إسمع لو تأسفت أمام القاضي يوم غذ, و قلت بأن أمر الإعلان الذي أسأت به لمانو كان مجرد غلطة لم تعلم عواقبها, سيجّنبك عواقب وخيمة, إن لم أتدّخل أنا من أجل فّك هذا اللغط , فالقاضي معرفة قديمة و صحيبي مليح”.
عندها صاح الوهراني بأعلى صوته “ما تقوليش بلي راك مبعوث لعنة لكل الجزائريين من أجل أن توسوس لهم كما وسوس الشيطان لآدم حتى أخرجه من جنة النعيم”, ضحك مرة أخرى دافيد قائلا ” ما تكسّرش راسك أنا أريد فقط خدمتك” , و هنا صاح الوهراني لثاني مرة أخرج من عقلي يا رجيم و عليك لعنة الله و كل الجزائريين إلى يوم الدين.
فكان دافيد أول عقبة واجهت الوهراني التي تعدّاها بمهارة أسلافه بسلام, فالحركة من عيار دافيد سبق و أن تعامل معهم الجزائريون ما يحكونه لأحفادهم, فمنهم من لقوا مصرعهم على أيدي أشاوس جيش التحرير, و منهم من لفظته أرض الجزائر الطاهرة في رحلة ذهاب بلا عودة.
المهم الوهراني بعد إدارة ظهره لكمال داود…آه عفوا دافيد, عكف يراجع المرافعة التي تنتظره أمام القاضي الفرنسي, فهو ذاكر جيدا كل تاريخ بلاده, و كم الفاتورة التي يجب أن يدفعها الفرنسيون حيال ما قاموا به من إجرام دام 132 سنة بالتمام و الكمال…يتبع .
أحداث القصة من وحي الخيال و أي تشابه مع الواقع فهو مجرد صدفة على الطريقة الفيتنامية